جابر سليمان ورانية المصري وسماح إدريس ووسام الصليبي *
فيما سجّلتْ حملة المقاطعة العالميّة ضدّ شركة فيوليا إنفايرونمنت Veolia Environment الفرنسيّة العملاقة بعضَ النجاحات على طريق إنهاء نشاطاتها في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، أعلنتْ هذه الشركة في الشهر الماضي أنها وقّعتْ اتفاقيّة «شراكة طويلة الأمد» مع شركة «ديار» المملوكة من طرف حكومة قطر، تسمح لـ«ديار» بشراء حصّة خمسة في المئة منها. الجدير ذكره أنه، منذ عام 2002، تبني شركة فيوليا، من ضمن مجموعة شركات consortium، شبكة سكك حديديّة تربط القدسَ الغربيّة بالمستوطنات اليهوديّة غير الشرعيّة (بموجب القانون الدوليّ نفسه) في القدس الشرقيّة. والواضح أنّ شبكة السكك هذه ستُسهم في توطيد احتلال القدس الشرقيّة، وترسيخ نظام الفصل العنصريّ الذي يمارسه الكيانُ الصهيونيّ.
ومن خلال شركة Veolia Environmental Services Israel، تملك شركة فيوليا وتدير مشروعَ توفلان لطمر النفايات وللردم الترابيّ في غور الأردن منذ 1999. والحال أنّ مشروع توفلان ليس فقط موضعَ إدانة بسبب تشييده على أرض فلسطينيّة مغتصبة «طُهّرتْ» من سكانها الفلسطينيين الأصليين، بل تدلّ أيضاً المعلوماتُ الشحيحةُ التي سُرِّبتْ على تلوّث الهواء والتربة بسبب المكبّ، وعلى رمي النفايات الصلبة والخطرة التابعة لسلطات الاحتلال في ذلك المكبّ.
يضاف إلى ذلك أنّ شركة كونكس Connex، المملوكة من شركة فيوليا، تشغّل الباصات في الضفة الغربيّة إلى المستوطنات، بما فيها بيت حورون وجيفات زييف، على الطريق 443، المعروفة بـ«طريق الأبارتهايد»، الأمرُ الذي يقدّم أسباباً إضافية لنموّ هذه المستوطنات.
شركة فيوليا هدفٌ للمقاطعة وسحب الاستثمارات
منذ 2002، تبني شركة فيوليا شبكة سكك حديديّة تربط القدسَ الغربيّة بالمستوطنات اليهوديّة غير الشرعيّة
تنفيذاً لنداء أطلقته مؤسّساتُ المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ في 9/7/2005 بوجوب مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها حتى تنصاع للقانون الدوليّ، قامت حملاتُ التضامن الدوليّة، المؤيّدةُ لحقوق الفلسطينيين والمناهضةُ للعنصريّة الصهيونيّة، بحملات محليّة في عدد من الدول ضدّ شركة فيوليا. في آب 2006 أجبرتْ قوى الاتحاد العمّاليّ الإيرلنديّ شركةَ فيوليا على إلغاء تدريب سائقي الباصات والمهندسين الإسرائيليين في دبلين في إيرلندا. وفي تشرين الثاني من العام نفسه، سحب البنكُ الهولندي Dutch ASN bank استثماراته في شركات تنتفع من الاحتلال الإسرائيليّ، بما فيها شركة فيوليا.
في آذار 2009، خسرتْ فيوليا عقداً قيمته 3,5 مليارات يورو لإدارة أنفاق القطارات في مدينة ستوكهولم في السويد. وفي نيسان 2009، صوّت مجلسُ مدينة غالواي في إيرلندا ضدّ منح فيوليا تجديدَ عقد تشغيل نظام الميترو. وفي الشهر عينه، خسرتْ شركة فيوليا عقداً قيمته 750 مليون يورو مع مدينة بوردو في فرنسا.
في حزيران من العام نفسه، حَرمتْ مدينةُ ملبورن في أستراليا شركةَ كونكس Connex عقدَ تشغيل شبكة القطار، وذلك استجابةً لحملة Dump Connex. وفي الشهر ذاته، وإثر ضغوط «اللجنة الوطنيّة لمقاطعة إسرائيل» في فلسطين المحتلة، أعلنتْ بلديّةُ طهران أنّ شركة فيوليا ستُمنع من تقديم العروض في المناقصة لعقود النقل العامّ في المدينة.
في كانون الأول 2009، وأثناء تظاهرة ضدّ فيوليا في بريطانيا، صرّحت إحدى المسؤولات عن التعبئة والحملات في «حملة التضامن البريطانيّة مع الشعب الفلسطينيّ» أنّ الحملة اتخذتْ إجراءات ضدّ فيوليا لتواطئها مع الاحتلال الإسرائيليّ. وقد أثمرتْ هذه الحملاتُ، بحسب موقع «اللجنة الوطنيّة للمقاطعة»، خسارة فيوليا ما تقديرُه سبعة مليارات دولار من العقود في المملكة المتحدة والسويد وفرنسا وأستراليا.
وفي أيار 2010، أي منذ أيام قليلة، صوّت مجلس مدينة دبلين في إيرلندا، إثر ضغوط حملة التضامن الإيرلندية الفلسطينية، ضدّ توقيع أيّ عقد أو تجديده مع شركة فيوليا بسبب نشاطاتها في الأراضي المحتلة وتواطئها في انتهاك معاهدة جنيف الرابعة.
الدول العربية: لاوعي أم تواطؤ؟
في شهر نيسان 2010، ضربتْ دولةُ قطر بنشاطات المقاطعة هذه عرض الحائط عندما اختارت الاستثمارَ في فيوليا! فقد أعلنت الشركة، كما ذكرنا أعلاه، أنها وقّعت اتفاقيّةً مع شركة «ديار» القطريّة، تشتري خلاله «ديار» حصّة من فيوليا، مع نيل حقّ التصويت الكامل في مجلس الإدارة. وقد صرّح محمد بن علي الهدفة، الرئيسُ التنفيذيّ لـ«ديار»، أنّ شركته تعتزم إشراكَ فيوليا في تطوير مشاريعها في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا للاستفادة من خبرات الشركة في الأشغال العامّة والتنمية المستدامة.
والواقع أن تلك لم تكن الخطوةَ الأولى للتعاون بين قطر وفيوليا، إذ سبقها في أيّار 2009 توقيعُ اتفاق بين شركة فيوليا واتر Veolia Water وسلطاتِ هيئة الأشغال العامّة («أشغال») في مدينة الدوحة.
والأسئلة التي نودّ أن نطرحها في هذا الصدد:
أيجوز أن تكون دولة عربيّة، كقطر، شريكاً في تهويد القدس، من خلال المساهمة في شركة تبني منشآت للاحتلال؟
هل ستتواطأ دولةُ قطر مع الاحتلال الصهيونيّ ضمن إطار شركة «تبغي الربحَ» على حساب الشعب الفلسطينيّ والقضيّة الفلسطينيّة والأراضي الفلسطينيّة؟
أمْ أنّ قطر، كما نأمل، ستستخدم نفوذَها المُكتَسب لإخراج فيوليا من القدس المحتلة وإيقاف مشاريعها؟

* عن «حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (لبنان)» و«مجموعة «عائدون» (لبنان)» ومجلة الآداب