حسام كنفانيمن عجائب منطقة الشرق الأوسط جمعها الصيف والشتاء تحت سقف واحد. هذا ما يتّضح من الحديث المتوازي عن الحرب والسلام في آن. حرب على الجبهة اللبنانية والسورية مع الأنباء المتعاظمة عن صواريخ «سكود» ومخاطرها على كسر التوازن، وسلام على الجبهة الفلسطينية مع الموافقة العربية على استئناف المفاوضات غير المباشرة التي أعادت المبعوث الأميركي جورج ميتشل على عجل إلى المنطقة للإشراف مباشرة على «مسيرة السلام».
حديث مجاني، لكن واقعه مختلف عن الأجواء التي تحيطه. اعتبارات الحرب والسلام لا تزال غير متوافرة، على الأقل في المدى القريب. أسباب متعددة تفضي إلى بقاء الوضع الراهن، عسكريّاً وسياسيّاً، في حال من المراوحة التي قد تستمر طويلاً.
«ستاتيكو» تفرضه تحليلات أوضاع الأطراف المعنية في الحرب والسلام. تحليلات لا تغيّر منها تحذيرات هيلاري كلينتون وتهديدات إيهود باراك ومحاولات التهدئة من بنيامين نتنياهو. فحديث العلن في العادة، مختلف عمّا يدور خلف الأبواب المغلقة. الجميع يتحدّث على المنابر عن أجواء التوتر وعن العصا والحريق الذي يهدد المنطقة. لكن في المقابل فإن الكثير من المعنيين في هذه الأجواء لا يرون أي إمكانية لاندلاع حرب جديدة، ويزيدون عن إمكانيّة «تغيير معادلة الحرب» عموماً.
استبعاد الحرب ينطلق من تحليل الوضعين الأميركي والإسرائيلي، والتعديلات في موازين القوى في المنطقة وتغيير التحالفات، والتقاربات المستجدة بين أطراف كانت إلى الأمس القريب خصوماً. في الانطلاق من الوضع الإسرائيلي، فإن الدولة العبرية لا تزال تتعالج من تداعيات حرب تموز 2006، التي خرجت منها بهزيمة مادية ومعنوية واستراتيجية تحتاج إلى أكثر من أربع سنوات للملمتها. وما الحديث عن ترميم «قوة الردع» الإسرائيلية في العدوان الأخير على قطاع غزة، إلا محاولة لبث بعض الطمأنة في نفوس الداخل الإسرائيلي. لكن قادة جيش الاحتلال والمسؤولين السياسيين في إسرائيل يدركون أن «حماس» ليست حزب الله، والجبهة الجنوبية في غزة، ليست مماثلة للجبهة الشمالية في لبنان والجولان. هذه إضافة إلى تعديل موازين القوى الناتجة من تراكم الأسلحة خلال السنوات الأربع الماضية.
تراكم لا يمكن أن يكون متوازياً بين إسرائيل وأي طرف مقابل على جبهاتها، ولا سيما الشمالية. فالدولة العبرية وصلت منذ فترة طويلة إلى «مرحلة الإشباع» في التسلّح، سواء لجهة البر أو الجو أو البحر، وحتى السلاح النووي التكتيكي وغير التكتيتي. ما يعني إن الإضافة إلى هذه الترسانة لن تكون نوعيّة أو مغيّرة لموازين القوى المائل أصلاً لمصلحتها.
هذه المعادلة معكوسة بالنسبة للتسلّح على الجانب الآخر، إذ إن دخول أي عنصر جديد على ساحة المعركة يثير مخاوف دولة الاحتلال، التي يحذّر مسؤولوها من وصول أسلحة «كاسرة للتوازن» إلى حزب الله على سبيل المثال.
من هنا يأتي الحديث عن صواريخ «سكود»، إضافة إلى السلاح المضاد للطائرات، الذي تعتبره إسرائيل أحد أبرز عوامل «كسر التوازن»، ولا سيما أن من شأنه ضرب جبهتها الجوية، التي لم تتكبّد الكثير من الخسائر خلال حروبها السابقة.
الجبهة الداخلية هي معضلة إضافيّة بالنسبة للدولة العبرية، التي اختبرت في حربيها الأخيرتين، ولا سيما عدوان تموز 2006، عمليات النزوح وانضمام مناطق عديدة إلى ساحة المعركة، بفعل القصف الصاروخي. وبما أن «حزب الله» 2010 مختلف عن «حزب الله» 2006 لجهة قدرته الصاروخيّة، على حد تعبير رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكريّة الإسرائيلية (أمان) العميد يوسي بايدتس، فإن جبهة الحرب في الداخل ستكون أوسع على نحو قد لا تستطيع الدولة العبرية استيعابها.
المعطيات الإسرائيلية، السياسيّة والعسكرية والداخلية، تضاف إلى الحال الأميركية المستجدّة، غير الراغبة في فتح جبهة حرب جديدة، ولا سيما أنها لم تغلق إلى الآن ملف حربيها في العراق وأفغانستان، رغم محاولاتها المتعدّدة لفعل ذلك. وبالتالي فإنها قد لا تكون في وارد فتح معركة جديدة واسعة، مع إيران خصوصاً، أو حتى القيام بضربات خاطفة غير معروفة النتائج.
والجديد اليوم المقاربة الأميركية لملفات الحروب، إضافة إلى الملف الإيراني، التي باتت تنطلق من اعتبارات تربطها ربطاً غير مباشر بملف السلام في الشرق الأوسط، الذي أصبح ضمن حدود الأمن القومي الأميركي، وهو ما حذر منه أكثر من مسؤول في الولايات المتحدة خلال فترة «الخلاف» مع إسرائيل، حين حمّلوا الدولة العبرية المسؤولية عن أرواح الجنود الأميركيين.
من هنا يمكن الدخول إلى «الستاتيكو» الآخر في المنطقة، المرتبط بالملف السلمي، الذي تحيطه أجواء من التشاؤم منذ ما قبل انطلاق العملية التفاوضيّة. تشاؤم نابع من أن أهداف العودة إلى طاولة التسوية بحد ذاتها مختلفة، والأولويات متباعدة؛ إسرائيل تريد إرضاء الإدارة الأميركية والسلطة ترغب في اختبار خياراتها مجدداً. الطرفان عائدان إلى الطاولة رغم علمهما بخواتيمها، التي لن تكون سعيدة أو حزينة. هما يدركان أن لا اختراق جديّاً من الممكن أن ينتج عن الجولة «غير المباشرة»، التي قد لا تخرج بأكثر من توسيع مساحة أمنية هنا وأخرى هناك، لتبقى الحال في النهاية على ما هي عليه.
حديث الحرب والسلام قد يتفاوت بين التصاعد والخفوت في الأيام المقبلة، لكن من دون أن يؤدّي إلى تغيير في الوضع الراهن، على الأقل في المدى المنظور.