strong>سلامة كيلة*هل المنطقة مقدمة على حرب جديدة؟ هذا هو السؤال الذي يتكرر الآن، والذي يبحث عن إجابة، وهو يُطرح بصفته سؤالاً جديداً رغم أن الحديث عن الحرب مستمر منذ سنوات، حيث بدا أن احتلال العراق ليس سوى مقدمة لتغيير عميق في وضع المنطقة. هذا ما قالته الإدارات الأميركية على الأقل. ولقد شهدنا لحظات كانت تبدو الحرب في الأفق، لكن لم نصل إلى حالة الحرب. بينما استمر الحشد، واستمرت المناورات الأميركية الإسرائيلية المشتركة على حروب كما يمكن أن يحصل ضد حزب الله أو سوريا أو إيران، أو هي جميعاً. هل تغيرت هذه السياسة؟
لا شك في أننا نشهد عودة إلى تنشيط الحديث عن الحرب، ويجري افتعال مبررات تبدو كأنها تأتي في سياق تبرير الحرب، كما حدث مع مسألة صواريخ سكود التي جرى الادّعاء بأن سوريا سلّمتها إلى حزب الله، أو الحديث عن امتلاك إيران لقنبلة نووية في قترة قريبة. لكن الأمر الذي أظهر وكأن الحديث عن الحرب مفاجئ هو التحول الذي حدث في الولايات المتحدة بنجاح باراك أوباما على ضوء الأزمة المالية العميقة التي حدثت في سبتمبر سنة 2008، أي في عز الحملة الانتخابية الأميركية.
وبالتالي، فإن تقدير ممكنات حدوث الحرب بات يخضع لتقدير وضع أميركا. لقد نجح باراك أوباما لأنه طالب بالانسحاب من العراق، والتخلي عن السياسة الحربية التي اتبعتها إدارة بوش الابن، رغم أنه كان يصرّ على توسيع الحرب في أفغانستان، ولم يتخلَّ عن «الحرب على الإرهاب». لكن الأزمة المالية التي كانت تُفسّر على أنها تشير إلى ضعف أميركا المالي، قد عمّمت الميل لدى المحللين بأن الحرب باتت بعيدة، وأن همّ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو التوصل إلى حل لكي يكون ممكناً تنظيم العلاقة مع النظم «المعتدلة» في إطار محاصرة إيران، أو حتى في التحضير لحرب معها، رغم أن هذه الأخيرة باتت تبدو بعيدة إلى حدّ ما.

هدف أميركا

من الخطأ الظن بأن الأزمة المالية سوف تفرض الانكفاء والتخلي عن السياسات الحربية، لأن الأزمة المالية هذه تفرض الميل للحروب أكثر مما تفرض الانكفاء نتيجة طبيعتها، إذ لا حل لها، وبالتالي ليس هناك سوى إدارة الأزمة عبر الحرب. من هنا، فإن ما يحدد ممكنات الحرب في الشرق الأوسط ليس الأزمة، بل أمور أخرى سابقة على الأزمة التي انفجرت أخيراً، حيث إن «صياغة العالم» التي بدأت منذ انتهاء الحرب الباردة سنة 1990 انطلقت من الأزمة العميقة التي بات الاقتصاد الأميركي يغرق فيها، رغم أنه الاقتصاد الأكبر وربما الأقوى. وكان هدف الحروب هو تجاوز هذه الأزمة لكي يبقى الاقتصاد الأميركي هو الاقتصاد المهيمن.
ولقد كانت «صياغة العالم» تشمل تغيير الوضع السياسي في «الشرق الأوسط الموسع»، أولاً عبر الحرب، لكن بأشكال أخرى إذا كان ذلك ممكناً. لهذا أشارت الاستراتيجية الأميركية آنذاك إلى أن لكل دولة شكل التغيير الخاص بها، ولم تعتبر بأن الاحتلال هو الشكل الوحيد. هذا هو الهدف العام الذي ترى الاحتكارات الأميركية أن تحقيقه أمر حاسم من أجل استمرار سطوتها، وهو المحدِّد لممكنات الحرب أو اللاحرب.
وكما أشرنا، فإن هذه الاستراتيجيا لم تتغير مع نجاح أوباما، لأنها استراتيجيا الاحتكارات التي هي وحدها تفرض السياسة، وما يستطيعه الرئيس هو التمويه أو «الضبط». وحين يحدث التصادم بينه وبين الاحتكارات ينتهي هو وتبقى الاحتكارات، لأنها عماد اقتصاد أميركا، والقوة الممسكة بالسلطة. ورغم ما بدا من اختلاف في ما يتعلق باستراتيجيا الحرب بينهما، وجدنا أن الدور العسكري الأميركي ما زال يتوسع، من اليمن إلى أميركا اللاتينية، مروراً بباكستان. وحتى الانسحاب من العراق، لن يكون سوى إعادة ترتيب لوضع القوات الأميركية التي لا تستطيع أن تبقي أكثر من ثلث قواتها في العراق، وهي تسعى لاستمرار نشرها في كل العالم.

عن الحرب

إذاً، يجب أن نتناول الحرب في المنطقة من زاوية طبيعة الوضع والظروف التي ترى الولايات المتحدة أنها مناسبة لخوضها، تأسيساً على سياساتها القائمة على التغيير وإعادة ترتيب المنطقة. فالمسألة التي تهم أميركا في إيران ليست البرنامج النووي، بل وضع إيران في الصراع العالمي، وانفلات النفط الإيراني من يد احتكاراتها، وبالتالي الخطر الذي يشكله ذلك نتيجة أن هذا النفط هو مصدر أساسي للصين، القوة التي يجب أن تحاصر قبل أن تهيمن. وهو الأمر الذي وضع إيران في مرمى التغيير الأميركي منذ عقدين. وإذا كان الحشد الاستعراضي الذي كرره بوش الابن مرات في الخليج، لم يوصل إلى مستوى من الضغط يفرض التغيير دون حرب، فإن «المنظور التغييري» لم يتغير.
وبخصوص سوريا وحزب الله، فإن الدولة الصهيونية لا تقبل باختلال ميزان القوى وحسب، بل إنّها تسعى أيضاً لتحقيق تغيير عميق من أجل فرض سطوة صهيونية. وإذا كانت الحرب على لبنان في تموز 2006 قد فشلت رغم الدمار الكبير الذي لحق بلبنان، فإن استمرار الوضع على ما هو عليه ليس مقبولاً صهيونياً، لأن الهدف هو خلق «جبهة مريحة» في الشمال، ومد الخيوط للسيطرة لكي تتكرس الدولة الصهيونية كقوة إقليمية مهيمنة.

المسألة التي تهمّ أميركا ليست البرنامج النووي، بل انفلات النفط الإيراني من يد احتكاراتها
هذه أهداف لم تنته، وهي في صلب الأجندة الصهيونية الأميركية. لكن السؤال هو: هل الحرب هي الطريق للوصول إلى ذلك؟
طبعاً هنا لا يجب التهويل مما حدث في تموز 2006 رغم أهميته، كما لا يجب الاعتقاد بأن تزايد القوة العسكرية العربية سيردع القادة الصهاينة عن شن الحرب. فربما يكون العكس هو ما سيحصل، بالضبط لأن الدولة الصهيونية لن تقبل باختلال ميزان القوى، وبشعورها بالعجز عن السيطرة. وبالتالي، ليست نتائج حرب 2006 أو حشد منظومات الصواريخ هو الذي يجعل الحرب غير ممكنة. وهذا يجعل من إمكانات الحرب مسألة قائمة، خصوصاً أن الجيوش الأميركية والصهيونية تقوم بتدريبات مستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن، وتتدرب بالضبط على حروب ضد إيران أو حزب الله أو سوريا.
لكن هذه الحرب ليست سهلة، ولهذا يجري التفكير الطويل في شنها. كما تُدفع الأمور إلى تحقيق تغييرات بنيوية في سوريا وإيران، ربما تكون بديلاً لحرب خطرة.
لهذا يمكن القول إن الولايات المتحدة ما زالت تهدف إلى التغيير الجغراسياسي للوضع في المنطقة، وهي تعمل على تحقيق تغييرات «داخلية»، لكنها سوف تشن الحرب إذا توصلت بأنه يمكنها ذلك من دون خسائر كبيرة، وكان ذلك يخدم تحقيق التغيير الداخلي.
بالتالي، فإننا في حالة حرب، لكننا كذلك في حالة تغيير داخلي قد يفكفك العقد التي تفرض اللجوء إلى الحرب.
* كاتب عربي