خالد صاغيةالسياسة في أزمة لدى جميع الطوائف. لكنّها أزمة وجدت أخيراً تعبيراتها الحادّة لدى المسيحيّين. كأنّ زعماء هذه الطائفة الذين وجدوا في الانسحاب السوري فرصة لاستعادة دورهم، اكتشفوا أنّ ما جرى خلال العقود الماضية لا يسهل محوه بقرار دولي، وهو أعقد من رواية الوصاية السوريّة. البطريرك الذي فقد موقع القيادة السياسيّة مع عودة ميشال عون من المنفى وخروج سمير جعجع من السجن، بدأ يرفع من حدّة مواقفه، لعلّ السقف العالي ينتصر على الصوت الخافت.
قائد القوّات اللبنانيّة يجول على عواصم «عرب الاعتدال» وباريس وواشنطن بحثاً عن غطاء يحميه من محاولات العزل المتواصلة التي تشجّعها سوريا ويتحمّس لها لبنانيّون كثيرون لم يتعلّموا من دروس «عزل الكتائب».
العماد ميشال عون يكتشف يوماً بعد يوم حدود مشروع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. يتصرّف تارةً كأغلبيّة جرى التآمر عليها، وطوراً كأقليّة تبالغ في أداء دور الضحيّة. وبين الاثنين، يلوح شعار «مسيحيّو الشرق» كتعويذة لا تنقذ أحداً.
وما يزيد الأمور تعقيداً، هو أنّ المسيحيّين خسروا أصدقاءهم وأعداءهم على حدّ سواء. فسوريا التي عاداها الجنرال طويلاً، أعلن تصالحه معها بعد الانسحاب من لبنان. وحلفاء جعجع لا يكفّون عن الاعتذار عنه، واعدين بتغيّر سلوكه. وسلوكه تغيّر فعلاً. فبات رفع الصوت ضدّ حزب اللّه تعويضاً عن خفته ضدّ سوريا.
أمّا الراعي الغربي، فأعطى أكثر من إشارة على أنّ صداقته للمسيحيّين لا تعني أنّهم لا يزالون أطفاله المدلّلين.
إزاء هذه الأبواب المقفلة، بدأت السياسة تخلي مواقعها لما دونها.
بدلاً من «الأم الحنون» التي كانت تخترع الأوطان، لم يبقَ إلا الفاتيكان كي تطوّب القدّيسين.
وبدلاً من خطاب الحرية والسيادة والاستقلال في وجه سوريا، بدأت كرنفالات الابتذال ضدّ الفلسطينيّين وحقوقهم المدنيّة.
وبدلاً من السعي إلى استعادة بعض صلاحيّات رئاسة الجمهوريّة التي صودرت في اتفاق الطائف، ها هي جائزة الترضية تأتي من القضاء هذه المرّة. فرئيس الجمهورية في لبنان لن توسَّع صلاحيّاته، على ما يبدو، لكنّ القضاء سيتحرّك ويعتقل شباباً تجرّأوا على... «الإساءة» إلى رئيس الجمهورية. والزعماء المسيحيّون سيهلّلون لهذه الاعتقالات.
اطلبوا النجدة، ولو من الفايسبوك!