strong>كميل داغر *في إحدى الندوات التي شهدتها هذه المدينة قبل أسابيع، وفي قاعةٍ لا تبعد كثيراً عن هذه التي نجلس فيها الآن، ورد على لسان أحد المنتدين هجاء لليسار، أو على الأصح تعبيرٌ عن اليأس من قيامته وقد بات يغرق في أزماته حتى المنكبين. وأنا لست هنا في موقع الدفاع عن هذا اليسار بواقعه الراهن، بيد أنني أود أن أشدد على مسألتين اثنتين: الأولى تتعلق بالسهولة التي يعلن بها بعض الناس نعيهم له، وبوجه أخص تنصّلهم من أي مسؤولية عن الوضع البائس الذي بلغه. وهو أمر يفتقد، في نظري، شيئاً اسمه الشجاعة والصدق، وهما الطريق الملكية إلى بدء الخروج من عنق الزجاجة.
أما المسألة الثانية، وهي الأهم وتستوجب الإفاضة ولو نسبياً في الشرح والمعالجة، فهي تتعلق بموضوع الندوة الذي نحن بمعرض التصدي له، في هذه الأمسية، ويجمع بين مهمتين اساسيتين اثنتين: توحيد اليسار، وإنضاج برنامج ديموقراطي ثوري يكون اللقاء حوله والنضال لأجله. وهما مهمتان بدتا عسيرتين، إذا لم تكونا عصيتين إلى الآن، حسبما يمكن أن نستشف من تجربتين اثنتين في العقدين الأخيرين، تلك التي حصلت بين عامي 1995ـــــ 1996، وبقيت عديمة الجدوى، ومن ثم تلك التي لفظت أنفاسها قبل أشهر قلائل.
وأنا لن أدخل في تفاصيل تينك المحاولتين، لكنني أختصر فأقول إن عديدين ممَّن شاركوا فيهما افتقروا إلى الجدية الكافية في التعامل معهما، أو أنهم كانوا يرمون إلى غايات مختلفة تماماً عن تلك التي أُفصح عنها في مبنى قصر الأونيسكو، على امتداد يومين من شهر آذار (مارس) 2008، بحضور أكثر من مئتي شخص، على الأقل، في اليوم الأول من اللقاء، الذي بات يعرف باللقاء اليساري التشاوري. وفي شتى الأحوال، يمكن القول إن الأهداف المعلنة في هذا اللقاء لم تكن ضمن أولوياتهم، كي لا نقول في أعلى سلم الأولويات لديهم. وأنا أكتفي اليوم بهذا القدر المقتضب جداً من الرؤية النقدية لتلك التجربة، علماً بأنه قد تكون هناك مناسبات أخرى، إذا اقتضى الأمر، للإفاضة في نقدها.
لقد قُيِّض لي أن أعايش حقبة أخرى مختلفة تماماً عما آلت إليه الأمور في العقدين الأخيرين، تلك الحقبة الذهبية ـــــ كما يقولون ـــــ من صعود اليسار في هذا البلد، في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، وأن أشهد كل ذلك الحراك الجماهيري الكبير، الذي لم يقتصر على المركز، بل امتد ليشمل معظم أجزاء وطننا، من أقصى أرياف عكار والجنوب اللبناني، وصولاً إلى مدن شتى، بينها العاصمة بيروت.
وعلى الرغم من أن خلافات جمّة كانت تشق اليسار اللبناني، الماركسي تحديداً ـــــ في عصر كان لا يزال فيه الاتحاد السوفياتي موجوداً فيه، ومعه كل الحركة الشيوعية العالمية الملتحقة به، إلى هذا الحد أو ذاك، ومقابله سلسلة واسعة من القوى، عبر العالم، كما في لبنان، تنتسب إلى الماركسية إجمالاً وتتنافر معه، بالتالي، على المستويين النظري والسياسي ـــــ فإن تلك الخلافات لم تحل دون تلاقي جزء أساسي من تلك القوى على المستوى المحلي، في إطار ما كان يعرف بالحركة الوطنية، علماً بأن هذه الأخيرة كانت تضم أيضاً قوىً وأحزاباً وتيارات قومية ووطنية لا علاقة لها بالماركسية. ومن جهة أخرى، لم تبدُ ثمة حاجة إلى أشكال اكثر تقدماً من العلاقة الجبهوية، ولا بوجه أخص من التوجهات الوحدوية، ليس فقط بسبب التمايزات الفكرية والسياسية الشديدة، التي كانت تظهر على صعيد القوى والمنظمات اليسارية، بل كذلك لأن موازين القوى السياسية والاجتماعية الفعلية لم تكن تضغط في هذا الاتجاه.
أما الواقع الذي نعيشه اليوم، فمختلف جداً عمّا كانت عليه الحال آنذاك. إن انهيار الاتحاد السوفياتي، والمعسكر الذي كان يتحلق حوله، مع ما لازم ذلك من إفلاسٍ شامل للفكر والحركة الستالينيين، أدخل تعديلات عميقة على أسباب الخلاف داخل الحركة الشيوعية العالمية، ومن ضمنها في لبنان بالذات، وجعل هذه الأسباب تنسحب إلى حدٍّ ما من واجهة الصراع. أكثر من ذلك، وعلى العكس، فإن التبدلات السلبية المشهودة في موازين القوى الطبقية، على المستوى العالمي، حتى إشعار آخر، تضغط بالضرورة، موضوعياً على الأقل، في اتجاه تشجيع أكبر قدر من التلاقي، والميل إلى الوحدة في صفوف كامل الحركة المناهضة للرأسمالية، عبر العالم، وفي أي مكان منه، بما فيه داخل لبنان بالذات ـــــ وهو ما يهمني بوجه أساسي في هذه المداخلة ـــــ وذلك في قرار مقصود وتعبيراً عن إرادة واعية، تتمثل في حشد أوسع قدر من القوى المسترشدة بالفكر الماركسي، والمستعدة للدخول في تجربة جبهوية متقدمة، في الحد الأدنى منها، وتوحيديةٍ، في الحد الأقصى. وذلك ليس فقط لإيجاد حالة أكثر فعالية وإيحاء بالثقة، قادرةٍ، بقدر ما تستوفي شروطاً سيجري الحديث عنها بعد قليل، على استعادة قسم مؤثر من حركة الجماهير المحلية من تحت التأثيرات الطائفية والمذهبية، في اتجاه التغيير الديمقراطي الثوري ولمصلحته، بل كذلك للحؤول دون المزيد من تشظي اليسار اللبناني، وانفراطه المستمرين، وبوجهٍ أخصَّ، وهنا بيت القصيد، للحؤول دون المزيد من تشظي القوة الأكبر والأهم في هذا اليسار، عنيتُ الحزب الشيوعي اللبناني. وفي الوقت نفسه لأجل إقناع عدد كبير من الكوادر والمناضلين الذين سبق أن غادروا، في العقدين الأخيرين، الأطر التنظيمية لهذا اليسار، بالعودة إلى النضال في صفوفه.

الوحدة! لكن بشروط

إن أي رؤية توحيدية ناجحة لليسار اللبناني، ولا سيما بعد سلسلة الفشل التي تعرض لها هذا المسعى، من قبل، هي عمل طويل ودؤوب يفترض الكثير من الإخلاص والنزاهة الفكرية والشخصية، والخروجَ من التمحور حول الذات إلى حسّ التضحية والتفاني والامّحاء في المصلحة الطبقية الجذرية للشغيلة والمنتجين، على اختلافهم، يدويين كانوا أو ذهنيين، وفي إرادة التغيير الشامل للمجتمع والدولة اللبنانيين، على طريق تغيير أكثر شمولاً يتناول المنطقة العربية ككل، والعالم بأسره. ودون ذلك، بالتأكيد، شروط عديدة أساسية، تبدأ بالديموقراطية التنظيمية الداخلية، لتنتهي بالبرنامج، من جهة، وبالتحالفات، من جهة أخرى.
أما على صعيد مسألة الديموقراطية التنظيمية، فأنا سأكتفي في هذا المجال بما كانت قد بشرت به الوثيقة الفكرية السياسية للمؤتمر السادس للحزب الشيوعي اللبناني، قبل نحو عشرين عاماً، لكن ليجري التراجع عن هذا التصور، والحبر الذي كتب به لم يجف بعد. تقول الوثيقة المنوه بها:
إخضاع كل العمليات المالية لضريبة تصاعدية عليها وعلى أرباح المصارف
«ينبغي على الحزب أن يؤمِّن حق كل رفيق بأن ينشر كل آرائه في صحافة الحزب، وحق كل رفيق أن يعترض على قرارات الهيئات الحزبية، ويبرر اعتراضه وينشره ويعممه في وسائل الحزب(...) إن حزباً من هذا النوع ينبغي أن يكون قادراً على استيعاب الاتجاهات والتيارات المختلفة التي يشكل حوارها ونقاشها إغناءً للحزب وإسهاماً في إيصال رأيه إلى الجماهير... إن المنطق السابق حول الكتل الانقسامية سيتغير بالنسبة لهذا المفهوم الديموقراطي، وهو مفهوم سابق كان يستند إلى العقلية التآمرية في القيادة وفي المعارضة، وليس إلى «العلنية» التي هي أساس حرية الرأي وحرية الاختيار وحرية مغادرة الحزب أفراداً وجماعات، وحرية تكوّن رأي أكثرية يتجلى في النهاية في وصول أصحابه إلى موقع القرار الأساسي في الحزب، من خلال صراع ديموقراطي عادي وليس من خلال عملية قيصرية».
لو أن هذا التصور الرائع وجد طريقه آنذاك إلى التطبيق، لما كان ثمة سبب يحول دون أن يلتحق كل اليسار الماركسي لدينا بصفوف الحزب الشيوعي اللبناني بالذات، وذلك منذ عشرين سنة. وهو ما لم يحصل، لكن يبقى هذا المنظور صالحاً في أي عملية إعادة تأسيس لحالة يسارية ثورية في بلدنا، وإن كنت أضيف إلى ذلك الأهمية القصوى لما أشرت إليه أعلاه على صعيد البرنامج والتحالفات.

في البرنامج

سأشدد هنا على عناصر أساسية أولية لبرنامج ديموقراطي ثوري، يتيح النضالُ على قاعدة مطالبه الانتقالية بناءَ حالة جماهيرية قادرة على الدخول في منافسة ظافرة مع برامج الطوائف والمذاهب، وممثليها المزعومين.
ويمكن اختصار هذه العناصر بما يأتي:
أ. على الصعيد الاقتصادي ـــــ الاجتماعي:
ـــــ اعتماد سياسة اقتصادية تسحب البساط من تحت السيطرة الراهنة على الاقتصاد للبورجوازية المصرفية، وإخضاع كل العمليات المالية في البلد لضريبة تصاعدية عليها وعلى الأرباح الفاحشة التي تحققها المصارف والمؤسسات المالية الأخرى، وذلك ضمن منظور يؤدي في الأخير إلى تأميم مؤسسات التمويل والتأمين، وحصر التجارة الخارجية في مؤسسات تابعة للقطاع العام.
ـــــ الحؤول دون المضي في الخصخصة، وحماية القطاع العام واخضاعه في آن واحد لرقابة مشددة يشارك فيها العاملون فيه، فضلاً عن المحاسبة الصارمة لكل حالات الفساد والهدر في الإدارات والمؤسسات العامة، والتصدي الحازم للتوجهات الحكومية لتطبيق البرامج الاقتصادية والمالية النيوليبرالية.
ـــــ التخلي إلى أبعد الحدود عن سياسة الضرائب غير المباشرة والتركيز على اعتماد الضريبة التصاعدية على الدخل، وإنزال أقصى العقاب بالتحايل عليها من جانب أصحاب الدخول المرتفعة.
ـــــ وقف الاستدانة، وفرض تحقيق شامل لكشف حقيقة صرف عشرات المليارات من الدولارات المستلفة في العقدين الأخيرين، مع ما رافق هذه العملية من نهب وهدر، والمحاسبة الدقيقة على ذلك، واستعادة الأموال المنهوبة والمهدورة مع فوائدها، فضلاً عن استعادة الأملاك البحرية وغيرها من الاملاك العامة من تحت سيطرة مستثمريها غير الشرعيين الحاليين.
ـــــ المضي جدياً في استكشاف النفط الخام والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، واستخراجهما ـــــ في الوقت نفسه الذي تُحبط فيه مساعي إسرائيل للسيطرة على مصادر الطاقة في تلك المياه ـــــ فضلاً عن وضع أسس صناعة على صعيد الطاقة تملكها الدولة وتتشارك مع العاملين فيها في تسييرها، وفقاً للالتزام بأقصى شروط حماية البيئة والبحر من التلوث، وذلك من ضمن سياسة شاملة لحماية البيئة على صعيد كامل الأراضي اللبنانية، في البحر كما في البر، وعلى صعيد مصادر المياه والغابات، بمنظار معادٍ للرأسمالية.
ـــــ اعتماد السلم المتحرك للأجور، وتأميم المنشآت المهددة بالإفلاس والمتجهة إلى الإقفال وتسييرها من جانب العاملين فيها، كما حصل خلال الأزمة الأرجنتينية قبل أعوام قلائل. فضلاً عن الضغط لاعتماد الرقابة العمالية في شتى مرافق الإنتاج. وفي إطار ذلك كله، تأكيد دور الطبقة العاملة القيادي، والحاجة القصوى لاستقلالها واستقلالية أجهزتها السياسية كما النقابية، مع إعادة الاعتبار إلى دور الاتحاد العمالي العام بمواجهة الدولة وأرباب العمل، والسعي الحثيث لتعديل هيكليته بما يضمن انغراسه السليم في الوسط العمالي وقطاعات الإنتاج، والتزامه النضالي بالقضايا الشعبية والوطنية.
ـــــ تشجيع عملية تصنيع مدروسة، ولا سيما في القطاع الإلكتروني، مع إشراك العمال في تسيير هذه الصناعات وحصولهم على الأجر العادل. فضلاً عن التسليف بفائدة منخفضة للمزارعين، وتقديم الدعم الجدي للعمل التعاوني في مجالي الإنتاج والتسويق، والعمل على استكمال بنية تحتية متقدمة للزراعة، وحماية حقوق البلد في مياهه، وخاصة في الجنوب، والاستفادة القصوى منها.
ب. المسألة النسوية وتحرر المرأة:
وهنا ينبغي التشديد على مقررات مؤتمر بكين بخصوص إعطاء المرأة حصة في التمثيل النيابي لا تقل عن 30 بالمئة، فضلاً عن تعديل القوانين التي لها علاقة بالمرأة، ومن ضمنها قوانين الإرث والعمل والعقوبات والجنسية، بحيث تحصل المرأة على مساواة فعلية مع الرجل في شتى الميادين.
ج. على صعيد المسألة الديموقراطية:
مع الحاجة إلى قرن عملية إطلاق الحريات الديموقراطية، على اختلافها، بتوفير شروطها المادية، ولا سيما بخصوص حرية التعبير والإعلام والتجمع، ومن ذلك تمويل الدولة للصحافة الحزبية من دون قيد أو شرط، ثمة ضرورة للنضال الحازم لأجل الفصل الكامل للدين عن الدولة وإقرار علمانية متكاملة، بما فيه بخصوص الأحوال الشخصية والتعليم. فضلاً عن الدعوة إلى انتخاب جمعية تأسيسية على أساس غير طائفي، وعلى أساس لبنان دائرة واحدة والتمثيل النسبي، تكون مهمتها الأساسية وضع دستور جديد يتناسب مع تحول لبنان حقاً إلى جمهورية علمانية ديموقراطية.
د. في المسألة الوطنية:
إعطاء المرأة حصة في التمثيل النيابي لا تقل عن 30 بالمئة
لقد أدى اليسار الدور الأهم في قيام المقاومة الوطنية وتحرير الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانية التي خضعت للاحتلال الإسرائيلي في اجتياح عام 1982، ولا بد من أن يستعيد موقعاً أساسياً له في الصراع مع إسرائيل والإمبريالية العالمية، ويضغط لضمان المشاركة الفاعلة للغالبية الساحقة من أبناء الشعب اللبناني في المقاومة الحالية، كما في أي مجابهة لاحقة مع القوى المعادية، مهما تكن، ما يسهّل تجاوز الواقع المذهبي الراهن للمقاومة الفعلية القائمة.
ه‍. في مسألة فلسطين والوحدة العربية والنضال الأممي:
لقد كان من المخزي جداً مشهد المجلس النيابي اللبناني، وهو يسقط، قبل يومين، في امتحان ضمان الحقوق المدنية والسياسية للمقيمين الفلسطينيين فوق الأرض اللبنانية.
وإنها لمهمة أساسية لليسار اللبناني أن يتابع الضغط لتحقيق هذا المطلب الأولي للغاية، في مسيرة التضامن مع الشعب الفلسطيني. وبالطبع، فلهذا اليسار دور إضافي أساسي يتمثل في الدعم النشط لنضال هذا الشعب، حيثما وجد، للعودة إلى وطنه الأصلي، وضمان كامل حقوقه الوطنية في أرضه التاريخية.
كذلك، فإن على هذا اليسار أن يضع دائماً في المقدمة، من ضمن منظوره لإرساء قاعدة البناء الاشتراكي في الوطن العربي ومن ضمنه لبنان، مطلبَ الوحدة العربية، وتحطيم هيمنة الإمبريالية العالمية على هذه المنطقة وثرواتها، ومسعى هذه الأخيرة لتأبيد التجزئة فيها.
أكثر من ذلك، وإذ يُفترض بهذا اليسار أن يعمل على تسهيل إنجاز المهمات المنوّه بها أعلاه، على الصعيدين الوطني والقومي، لا بد، في الوقت عينه، من أن يندرج نضاله في تصور شامل لا يمكن الفصل فيه بين عملية التغيير المحلية والإقليمية هذه وعملية التغيير الثوري على المستوى الأممي. ولا بد من أن يدعم ـــــ في وجه التقاء شتى الإمبرياليات في تجمع الدول الثماني، وغيره من التعبيرات عن الهيمنة الرأسمالية المعولمة الراهنة ـــــ قيامَ أممية جماهيرية ديموقراطية على رأس مهماتها إنضاج سيرورة قيام عالم اشتراكي متحرر من المظالم، وشتى أسباب العذاب والبؤس البشريين.

في التحالفات

وأخيراً، سيكون بين أهم الشروط الأخرى لاستعادة ثقة الجماهير المحلية الواسعة بقيادة اشتراكية، بمقابل الهيمنة الراهنة لأسياد الطوائف، وأمراء الحرب والمال، أن تقطع هذه القيادة أي علاقة محتملة لها بأي من الأنظمة العربية القائمة، وأيَّ ارتباط بالقيادات البورجوازية الطائفية المحلية، أو مراهنات عليها، وألا تدخل في تحالف مع أي من القوى السياسية المرتهنة بالبنية السائدة، إلا من ضمن مهمات محددة مشتركة، على أساس الاستقلال الطبقي الكامل، والالتزام بالقاعدة المشهورة القائلة بالضرب معاً والسير على حدة، مع الاحتفاظ على الدوام بحرية نقد الحليف وحتى التشهير به، في كل ما يتعلق بتضارب مواقفه مع مصالح الطبقات الشعبية، وقضايا الوطن والشعب.
بذلك فقط يمكن أن تتغير المعادلات الراهنة، ويتمكن الشيوعيون، وقوى اليسار عموماً، من استعادة الزمام من يد أسياد الحرب والطوائف والمال. وهذا بالضبط ما ينتظره المخلصون من أبناء شعبنا ، وما يجب ألا نخذلهم في رهانهم عليه.
(مداخلة ألقيت في ندوة حول وحدة اليسار انعقدت في قصر الأونيسكو مساء الخميس الماضي)
* محامٍ لبناني