حسان الزينشربل نحاس، حنّا غريب وحسن منيمنة، ثلاثة من جيل السبعينيات الذي تقدّم إلى الشأن العام بالجملة تحت لافتات وشعارات اجتماعية ووطنية وقومية... وأممية أحياناً. جيل بأسماء كثيرة. وكل استحقاق، دولي أو إقليمي أو محلي، أيديولوجي: جماعي أو شخصي، طائفي: سياسي أو أمني، كان يصطاد في بحره. حتى انتهت الحرب، بعد عقدين من «ولادة» هذا الجيل، بتفتّت التشكيلات الجماعية التي ألفها. وأكثر ما بقي من هذا الجيل، الذي بدا في لحظة ما مستقبلَ البلد، هو حراكُ أفراده وانتقالاتهم من جهة حزبيّة إلى أخرى، ومن ضفّة أيديولوجية إلى أخرى. وإذا ما استثنينا قلّة «حافظت» على هويّاتها السبعينيّة، وأخرى لاذت بصدفاتها الخاصة خائبة أو حامية لمنجزها العلمي والاجتماعي والشخصي، فإن الغالبية «عادت» إلى مذاهبها وحواشي الزعامات التقليدية والمستجدة.
شربل نحاس، حنّا غريب وحسن منيمنة، ثلاثة عناوين راهنة لهذا الجيل، وتعبّر بشكل أو بآخر عمّا آلت إليه أمور ذاك الحراك. وليس غريباً أن يكون الثلاثة مختلفين أو متنوعين، فالجيل الذي بدأ جماعياً تجزّأ وتشتّت. الأحزاب أقفلت أو تقلّصت والتظاهرة انفرطت وكل واحد عاد إلى «بيته».
شربل نحاس الاختصاصي الاقتصادي الذي لم يشح نظره يوماً عن السياسة، قَبِلَ في لحظة ما، أن يكون ضمن حصة وزارية لتيار ـــــ زعيم سياسي وطائفي بلا خطاب اقتصادي. ارتضى أن يملأ الفراغ، مع هامش تحرك لا بأس به، لم يُمتحن حتى اللحظة بسقف سياسي يكبحه أو يسكته. التسوية بينه وبين التيار ـــــ الزعيم ما زالت قائمة وما زال هو قريباً من موقعه محافظاً على اسمه الذي أنتجه بنفسه كخبير ومثقف. شربل نحاس، هذا هنا، يَمتحن التيار ـــــ الزعيم قبل أي حديث عن اختلاف مع الطاقم السياسي في الرؤية والطرح الاقتصادي.
حنّا غريب، النقابي، يقدّم لحزبه الشيوعي أولاً وللقوى السياسية الأخرى أيضاً، نموذجاً لعمل نقابي مستقلّ. وفي الوقت الذي يتحدّى فيه أزمةَ العمل الحزبي يتجاوز بؤس العمل النقابي وتفتّته وتبعيّته للقوى السياسية والمذهبية على اختلافها وأنواعها. يحمل هذا الشخص تراث جيله في النظر إلى واقعه وفي إنتاج القضايا وأساليبها النضالية. وإذ هو عضو في حزب أُبقي خارج النادي السياسي السلطوي يدرك رفاقه في رابطة التعليم الثانوي الرسمي أن النادي السياسي السلطوي يستهدف حقوقهم ومطالبهم ورابطتهم، وكأن وجوده في مقدمة تلك الرابطة هو تواطؤ مكشوف لدى أعضاء الرابطة كي لا تغدو المطالب والحقوق والرابطة في فرّامة القوى السياسية والمذهبية. حنّا غريب، في هذا المعنى، متراس لا يمكن اختراقه إلا من الخلف، لكونه حنّا غريب المناضل الذي ثبت في رابطته ومدرسته، ولكونه في/ من حزب خارج الطاقم السياسي المذهبي الذي يبيع ويشتري على حساب الفئات الاجتماعية، ويعارض تحت هذا العنوان أو ذاك، ويحرك هذه المجموعة تارة ويخمد تلك طوراً، بهدف إنجاز تسويات فوقيّة. حنا غريب أيضاً يمتحن رابطته والحس الاجتماعي لدى المنضوين فيها وإصرارهم على حقوقهم ومطالبهم ووحدتهم النقابية.
على خلاف شربل نحاس وحنا غريب، حسن منيمنة يُخضع نفسه للامتحان، وقد أعفى فريقه السياسي والطاقم السياسي عموماً من هذا الموقف. قبِلَ حسن منيمنة أن يكون أداة تنفيذ في يد الطاقم السياسي عموماً وفريقه السياسي خصوصاً. لقد قَبِلَ أن يضع خبرته «النقابية» وتجربته السياسيّة والأكاديميّة، في خدمة فريقه السياسي والطاقم. حسن منيمنة في وضع لا يتمناه أحد لنفسه، وهذا الوضع ليس نتيجة كونه يمثل مذهباً ـــــ تياراً ـــــ زعيماً في السلطة التنفيذية وحسب، بل أيضاً نتيجة خيار فردي ارتضاه لنفسه.
فشربل نحاس أيضاً ضمن حصّة مذهب ـــــ تيار ـــــ زعيم، لكنه يرفض أن تُفرم رابطة نقابية لم يكن يوماً فيها أو في واحدة تتشارك معها العنوان التربوي الاجتماعي. صحيح أن حسن منيمنة والمذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم الذي يمثّله ليسا شربل نحاس والمذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم الذي يمثله، لكن ما الذي يمنع أن يكون حسن منيمنة مثل شربل نحاس، سواء أكان داخل مجلس الوزراء أم في علاقته بالمذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم؟ الفارق بسيط، شربل نحاس يعقد تسوية مع المذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم بما هو، بينما يوقّع حسن منيمنة مع المذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم عقد عمل. نحاس يبقى مثقفاً يستغل ما أمكن في الهامش المتاح، وحسن منيمنة يغدو موظفاً برتبة وزير وراتبه.
ورغم ذلك، «مشكلة» حسن منيمنة، قيميّاً، ليست في مقارنته مع شربل نحاس وحسب، بل مع الوجه الآخر لنفسه: حنا غريب، النقابي والتربوي الذي لا يقارب العناوين والقضايا والحقوق وأساليب العمل من منظار المذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم. ليس في هذا مديح للثبات، ولا محاكمة لشخص يُطلب إليه أن يبقى كما كان، وإنما هي محاولة إلقاء الضوء على أسس تصحيح «امتحان» التخلص من «الكلام القديم» لحظة ارتداء البدلة البيضاء وعقد الكرافات حول الرقبة.