وائل عبد الفتاح«آخر الأسود» لن يرحل مبكراً، هذا ما قالته صحيفة أميركية عن أيام الرئيس مبارك الأخيرة. هو الأخير الباقي من جيل الحكام العرب القديم، وهو تحليل ساذج يليق بصحيفة شعبية، لا شيء عميقاً فيه إلا تأكيد رغبة أميركا في استمرار الحال على ما هي عليه.
إنها أنفاس جديدة في رئة نظام «الأسد الأخير». مبارك مستمر، ولكن ليس معروفاً حتى الآن عن أي مبارك يتحدثون: الأب أم الابن؟ ورغم تصريح قادة الحزب الوطني الحاكم بأن اسم مرشح الرئاسة لن يعلن قبل حزيران ٢٠١١، إلا أن لافتات تأييد جمال مبارك حاكماً لمصر بدأت في التسرب على جدران أحياء القاهرة الفقيرة.
الحزب السري لابن الرئيس بدأ اللعب مبكراً، وفي مناطق شعبية، حيث لا سياسة، ولا شيء غير المصلحة المباشرة. ولا مانع من أن يكون ابن الرئيس امتداداً للرئيس، لكن بشرط استمرار المصلحة التي لا تعني هنا سوى: تخليص أوراق أو مد المجاري أو إعادة طلاء مدرسة قديمة أو واحدة من تلك الخدمات الصغيرة. المصلحة بالنسبة إلى شرائح واسعة هي الخدمات، ولا معنى لمصلحة أكبر أو أكثر شمولاً.
الحزب السري ليس قوياً، لكن المفاجأة الكبرى هي أن جمال مبارك أصبح البديل الوحيد لأبيه، غير هذا ليس سوى المتاهة أو المفاجأة، أو الخطة السرية المختفية في أحد الأدراج وستظهر ليلة التغيير الكبير.
الكرسي سيبقى رهن عائلة مبارك، رغم عدم وجود قوة اجتماعية كبيرة، أو حزب قوي، أو طائفة، أو تركيبات سياسية تدفع الى «توريث جمهوري» يحفظ التوازن الدقيق.
فرصة جمال تتسع نتيجة الفراغ الذي كان أبوه ماهراً في صنعه، ونتيجة تعقيدات دولية تسير كلها باتجاه استمرار مصر في صنع الفراغ من حولها في الإقليم.
مبارك صانع فراغ من الصعب أن يشغله أحد، وهذا سر جاذبيته دولياً. يلعب هو الآن في ملفات متعددة هامة بالنسبة إلى أميركا والاتحاد الأوروبي. يرعى السلام بالطريقة الإسرائيلية، لكنه لا يتركها تتفرد بالمنطقة، يملك مسمار جحا في كل الملفات من فلسطين الى دارفور، وأخيراً لبنان.
أهمية مبارك بالنسبة إلى العالم أنه لا يصنع شيئاً، ولا يترك أحداً يصنع شيئاً في المربع التاريخي الذي رسمته مصر لوجودها الحيوي منذ ثورة الضباط، وربما قبلها. ولهذا، فإن الجسور بين مناطق مضطربة لا يمكن أحداً الاقتراب منها إلا برعاية مصرية، بعض من مفاتيح السودان الجديد (الدولتان أو الدولة الفيدرالية أو... أو...) في القاهرة، والملك عبد الله اليوم في شرم الشيخ لرسم معالم مرحلة ما بعد المحكمة وتوازنات الوضع الداخلي في لبنان بعد إعلان القرار الاتهامي. إنها مفاوضات «ما قبل» لرسم تفاصيل «ما بعد» وكيف ستشارك مصر في إعادة التوازن الذي قد يهزه قرار المحكمة الدولية.
قبل زيارة الملك الى مصر، تسربت أنباء عن زيارة رئيس الموساد للرياض. ليست الزيارة الأولى كما قالت المصادر الإسرائيلية لمحرر رئيسي في صحيفة «تايم» الأميركية، وهدفها كان محدداً: التنسيق في مواجهة الملف النووي الإيراني، والحصول على موافقة السعودية على مرور الطائرات الإسرائيلية من أجوائها في حالة الحرب.
الملك مستقر ينفذ أجندة التطورات التدريجية، وكذلك مبارك تجاوز متاعب الشعب والصحة، وأرسل يطمئن الحاخام المتطرف عوفاديا يوسف على صحته: «مرت أزمة النقاهة بخير».
في القاهرة والرياض، وربما الى حد ما قطر، رعاة للعبة الأمم، وليسوا شركاء فاعلين، والرعاة لا بد من تحقيق استقرارهم، وهذا ما يجعل كل شأن داخلي دولياً من ناحية المبدأ، واستمرار مبارك ونظامه ليس قراراً داخلياً ولكنه قرار دولي بنسبة ٩٠٪، حيث لم تطرح القوى الكبرى في تركيبة الحكم إلا إيماءات أو همهمات بالحفاظ على مواقعها.
الرعاة ليسوا دولاً مستقلة، إنها وكالات تقريباً للنظام الدولي، وللتغيير في هذا النوع من الدول معايير وأعراف غير معلنة، ولكنها تعبر عن نفسها بنعومة لم تعرفها من قبل لعبة الأمم.
الأسد الأخير سيستمر إذاً، وستتسع ربما مساحة «الائتلاف الشعبي لدعم جمال مبارك» مدافعة عن حقه في الترشح للرئاسة كمواطن مصري، ولأن ترشيحه يحمي مصر من الأجانب، كما قال منسق الائتلاف.
والأجانب يبتسمون، وربما يضحكون، ويشحنون مندوبيهم النشيطين في الشرق الأوسط ليعلموا الشبل ابن الاسد الأخير كيف يبدو «بطلاً ضد سيطرة الأجانب»، وكيف تجلي حنجرته بوطنية تجعله يطفو فوق كل الخلافات ويرفع راية الانتصار، فالمعارضة «تريد هدم الدولة»، كما قال فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب منذ أكثر من عشرين عاماً، وترفع الرجل عن تكملة الجملة باسم الإشارة لتصبح «دولتنا»، فهم بالفعل رعاة الدولة وربما أصحابها، والشعب ضيف ثقيل... ثقيل جداً.