علي بدر *ما تنقله الأخبار عن الإقالة الاعتباطية لرئيس تحرير صحيفة «الغد» الأردنية موسى برهومة، يدعو إلى الأسف (راجع «الأخبار»، عدد ٧ تموز/ يوليو 2010). ليست الإقالة الاعتباطية في بلدان اعتباطية كالعالم العربي، أمراً مستغرباً بحد ذاته. فالصراع مع عتاة الصيارفة وجباة الضرائب له دوماً ثمن باهظ. هؤلاء يملكون النفوذ الاجتماعي، والسلطة السياسية، والرأسمال والقدرة على تكميم أي خصم، لأنّ الخصم ببساطة كاتب. وسيجد نفسه وحيداً في أي معركة مهما كانت شريفة. وثقافتنا التي يُفترض أن تكون مثل كل ثقافة في العالم، ذات رأسمال رمزي تفوق قوته أي رأسمال مادي، هي ثقافة خائرة وجبانة ومرتعدة.
أين المثقفون في هذه المعركة؟ أين اليسار؟ برهومة يساري، كتب أطروحته في الفلسفة عن حسين مروة وأصحاب الدخل المحدود. ألا يشفع ذلك لليسار بالدفاع عنه، أم يريدون هؤلاء الفقراء من عمّال و«صنايعية» و«شغيلة» وسط البلد أن يدافعوا عنه؟
لماذا الصمت وهذه معركة حقيقيّة تستحق أن تُخاض بالأقدام وبالمناكب، وهي أشرف بكثير من معارك وهمية ومختلقة مع اليمين في كوروناليس أو خلق الأوهام عن تمدّد الكولونيالية في آسيا، أو ضرب الودع بسقوط الإمبراطورية الأميركية أو عدم سقوطها. فهذه قضية من لحم ودم وتحدث على مقربة أشبار من مكاتبهم.
أما بالنسبة إلى المثقفين في الأردن، فأسمح لنفسي بالقول ما دمت قد عشت بضع سنوات هناك، إنّ الصمت غير مستغرب. هم نتاج ثقافة خاملة غير معنية بأي حدث حقيقي، غير معنيين بالكتابة عن جرائم الشرف في بلد سجّل أعلى نسبة من هذه الجرائم، ولا بالرقابة على المطبوعات التي بلغت مرحلةً هزلية بحق. وأقول هزليّة وأنا أعنيها، لا في المنع فحسب، بل في ممارسات تجاوزت حتى مفهوم الرقابة، ووصلت بها مرةً إلى أنّها لم تستطع منع «كتاب النطق والصمت» للنفري بتهمة الإلحاد! فكتبت الرقابة ردّاً على النفري في نهاية الكتاب! ومرّ هذا الأمر من دون رد فعل، ولم يثر هذا التجاوز الأخرق أحداً منهم.
ومن المفارقات أنّ الوحيد الذي كتب بجدية عن الرقابة في الأردن هو موسى برهومة حين كان مشرفاً على الصفحة الثقافية في صحيفة «الرأي». أما الآخرون فهم أبطال الحروب البعيدة، لهم رأي في حروب الكولونيالية أينما كانت، شرط ألا تكون على أرضهم، لأنّها الأرض الحرام! فهذا الذي يثير السخط حقاً. موسى برهومة وحيد في معركة شريفة، سينكسر فيها أمام عتاة الصيارفة وجباة الضرائب، ما دام اليسار العربي مشغولاً بمعارك كوروناليس، الجزيرة الوهمية التي ابتدعتها عقلية كونتشاريف الروسي.
* روائي عراقي