خالد صاغيةاللبنانيّون على موعد اليوم مع مؤتمر صحافي قد يطول لساعات. يقال إنّ المعلومات التي ستُعرَض خلاله تحمل الكثير من المفاجآت. كان يمكن المتعةَ أن تكون مضاعفة لولا زيارة الملك عبد اللّه والرئيس بشار الأسد. لكن، رغم أجواء التهدئة، ورغم إخفاء الكثير من المستور، تنبئ التسريبات بليلة مليئة بالتشويق. وهو تشويق لا يضاهيه إلا بدء الاشتباه بشخصيات عامّة ومعروفة بتهمة التعامل مع إسرائيل.
لقد زخرت الأيّام القليلة الماضية بشائعات لا نهاية لها عن توقيف عدد من المشتبه فيهم. قيادة الجيش اضطرّت إلى إصدار بيان نبّه من «مغبّة إطلاق الاتهامات جزافاً»، وحذّرت فيه «مروّجي الشائعات من أنّها لن تتهاون في الحفاظ على سمعة عسكريّيها». لكنّ الشائعات لم تطل الجيش وحده. يكاد كلّ مبنى في لبنان ينظر سكّانه بعين الحذر بعضهم إلى بعض. فبعدما اشتُبه بضبّاط حاليّين وسابقين، وبموظّفين في قطاعات حسّاسة، وبمواطنين عُرفوا بتاريخ نضالي طويل ضدّ إسرائيل، لم يعد أحد «فوق رأسه خيمة». وفي جوّ مسموم بالانقسامات السياسيّة والطائفيّة، يبدو الميل الأوّلي للناس إلى تصديق الشائعات، لا بل تمنّي ثبوت صحّتها.
وذلك من علامات العيش في بلاد لم تتمكّن القنوات السياسيّة من إدارة انقساماتها. حتّى «صيد العملاء» دخل السباق. مقابل فايز ك.، يُنتظر الانقضاض على فريسة دسمة من الطرف الآخر، مِن قِبل جهاز أمنيّ مختلف عن الجهاز الذي أوقف العميد المتقاعد.
كذلك بالنسبة إلى مؤتمر اليوم. لا يبدو التشويق نابعاً من انتظار أدلّة تشير إلى احتمال تورّط إسرائيل في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بقدر ما هو نابع من ترقّب ما إذا كان السيّد حسن نصر اللّه سوف يبوح بأسماء شخصيّات عامّة متورّطة بفبركة شهود الزور.
وبغضّ النظر عن التثبّت من الاتهامات بالعمالة أو عدمه، ومهما يكن حجم التورّط في تضليل المحكمة الدوليّة، فإنّ المدهش حقاً هو هذا الجوع المزمن عند اللبنانيّين إلى «قتل» بعضهم بعضاً. وإذا كان المأمول ألا تتجدّد الحرب الأهليّة التي انتهت منذ عشرين عاماً فقط، فإنّ القتل الرمزيّ هو السائد حالياً. هكذا «يُقتَل» حزب اللّه باتّهامه باغتيال الحريري، وهكذا «يُقتَل» تيّار المستقبل باتّهامه بتضليل التحقيق باغتيال مؤسّسه، وهكذا «يُقتَل» التيّار الوطني الحرّ باتّهام أحد رموزه بالعمالة لإسرائيل...
القتل شغّال. لا داعي لانتظار الحرب.