خالد صاغيةلم يكن الصراع الناشب في لبنان منذ خمسة أعوام حتّى الآن سياسيّاً وحسب. حاول الطرفان المتنافسان إضفاء طابع أخلاقيّ عليه، ما سهّل اتّساع الهوّة بين فريقَيْ 8 و14 آذار، وصولاً إلى تصوُّر كلٍّ منهما أنّه ينتمي إلى معسكر الخير في مقابل انتماء الآخر إلى معسكر الشرّ.
العدّة «الأخلاقيّة» لـ14 آذار يمكن تلخيصها بالآتي:
1) نحن نريد محاسبة القَتَلة لتحريم مسلسل الاغتيالات السياسيّة في لبنان. أمّا سوانا، فيريد تبرئة المجرمين.
2) نحن نريد بناء الدولة التي لا يمكن أن تستقيم من دون احتكارها وسائل العنف. أمّا سوانا، فيصرّ على التمسّك بسلاحه الخارج عن أمرة الدولة.
3) نحن نريد تحصين استقلال لبنان بعد خروج الجيش السوري. أمّا سوانا، فتابعٌ لسوريا، ويريد إدخال البلاد في أحلاف إقليميّة في غير مصلحتها.
طبعاً، يمكن إضافة عناوين أخرى أقلّ جدّيّةً كـ«حبّ الحياة» في مواجهة «ثقافة الموت»، أو «ثقافة الوصل» في مواجهة «ثقافة الفصل»، كما ورد في إحدى وثائق 14 آذار.
العدّة «الأخلاقيّة» لـ8 آذار كانت مختلفة. تحصّنت بالمقاومة أساساً، قبل أن يمدّها التيّار الوطني الحرّ بشعار «مكافحة الفساد». لكنّ هذا الفريق الذي بقي مدّة طويلة في موقع دفاعيّ، عمل على كسر ادّعاء التفوّق الأخلاقيّ لخصومه أكثر ممّا عمل على إثبات تفوّقه. وإن كان بند «بناء الدولة» لم يحتج تفنيده إلى جهد كبير ـــــ فمآثر الحريريّة في الدولة أكبر من أن تحصى ـــــ فإنّ تجربة «الشركات الأمنية» لـ«المستقبل» التي انهارت في 7 أيّار أسقطت أيضاً أطروحة «احتكار العنف». لكنّ حرب تمّوز تبقى هي من رفع سلاح المقاومة إلى مقام أسمى من أن تصيبه السهام الداخليّة. أمّا بند «الاستقلال»، فرفعت 8 آذار في مواجهته شعار «من عنجر إلى عوكر»، ولم يخذلهم خصومهم في مشهد الذلّ في السفارة الأميركيّة خلال حرب تمّوز. وإن كان الارتباط بالسعوديّة لم يمثّل مادّة تجاذب، فإنّ «الانتفاضة» سقطت برمّتها عند عتبة رستم غزالي التي عادت لاستقبال الضيوف، وتكرّس سقوطها في زيارات رئيس الحكومة المتكرّرة لدمشق، التي لا علاقة لها ببناء العلاقات بين دولتين.
بقي البند الأوّل. ملاحقة شهود الزور ومُفبرِكيهم يرمي، في أحد أهدافه، إلى القول إنّ فريق 14 آذار لم يكن حتّى مشغولاً باكتشاف الحقيقة، وإنّ «الحقيقة» لم تكن شعاراً أخلاقياً، بقدر ما كانت استغلالاً «غير أخلاقيّ» لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. المفارقة، كلّ المفارقة، أنّ هذه المعركة الأخلاقيّة يخوضها عن 8 آذار جميل السيّد!