وائل عبد الفتاحالرئيس حسني مبارك يبدو نشيطاً هذه الأيام. يغادر القاهرة إلى برلين، وقبلها كان في واشنطن، وجيش دفاعه الصحافي «فبرك» صورة، يظهر فيها متقدّماً الرئيس الأميركي باراك أوباما وقادة مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية. فبركة كشفت عن ركاكة، فضحت المسافة بين الديكتاتور وصورته.
هكذا اختارت المعارضة المصرية ميدان عابدين، لتهتف أمام القصر نفسه الذي هتف أمامه أحمد عرابي: «لقد خلقتنا أمهاتنا أحراراً... ولن نُستعبد بعد اليوم».
قصر عابدين لم يعد رمزاً سياسياً للحكم، تحوّل إلى متحف للعائلة المالكة القديمة، لكن المعارضة في مصر اختارته لتبدأ معه شوطاً جديداً من معركتها ضد تكوين عائلة مالكة، جمهورية هذه المرة.
إنها استعادة لصور قديمة للحاكم، ولمعارضته معاً، استعانت فيها «الأهرام»، الكتيبة المتقدمة في جيش الدفاع الصحافي، بتقنيات حديثة، ليبدو الحاكم في صورته الباهرة.
فخّ وقع فيه الأستاذ أسامة سرايا، رئيس تحرير «الأهرام»، وعبد المنعم سعيد، رئيس مجلس الإدارة، بسبب هفوة صغيرة، لم يدركا معها خطورة التقنية الحديثة، ولا تأثيرها. إنهما رجلان محليان، يسيران على كاتالوج قديم، وإمكاناتهما لا تسعفهما على اكتشاف الفضيحة.
الفضيحة لم تكن في محاولة إظهار الرئيس مبارك على أنه قائد المفاوضات، وأنه يتقدم أوباما والجميع على السجادة الحمراء، لكنها في تبرير ما فعل على أنه صورة تعبيرية عن موقع الرئيس في المفاوضات.
التبرير مضحك بالطبع، وكاشف عن ضعف إمكانات الجيش الصحافي عن صنع صورة خالدة، في عصر جنون الصورة. فبركة الصورة بهذه الطريقة الفاضحة تشبه فبركة نتائج الاستفتاء على استمرار الرئيس بنسبة ٩٩،٩ في المئة.
إنها الرغبة في صناعة صورة الحاكم الغالب المسيطر، الذي يملك كل الأوراق بيده، وجوده يتعالى على الزمن، والواقع، وموقعه لا يمسّ.
الرئيس مبارك قال، من خلال دفعه للمفاوضات، «أنا حامل الأوراق الوحيد». قالها بالنشاط الزائد، وكرّرتها صحافته بالصورة المفبركة، ليثبت أن لا أحد يملك أوراقاً غيره في مصر. وكانت المهمة الكبرى: تطيير الأوراق من الأيدي التي حشرت أصابعها في مستقبل مصر.
اللعبة ذكية، شُغل الدكتور محمد البرادعي بشبكة علاقاته مع القوى السياسية في مصر، أغرقه مجاريح التاريخ المؤلم للسياسة في مصر، وأدخلوه في متاهات الجروح والألعاب النفسيّة.
والبرادعي داعية، وليس سياسياً، استعان بخطابات رومانسية، ولم ينتبه إلى ضرورة إحكام سيطرته على ورقة يدخل بها مجال القوى على الأرض.
الإخوان المسلمون قوة على الأرض، لكن النظام نجح في تشتيت تركيزهم، ونصب فخاخاً في كل طرقهم إلى التحالف مع القوى الأخرى، لم ينجح الإخوان في بناء تحالف تحت قيادتهم، فشلوا مرات عدة، وآخرها التسلل إلى جمعية التغيير ومحاولة تحريكها عن بعد بأشخاص مقبولين لدى الطيف السياسي.
نشاط الرئيس باتجاه تثبيت الصورة: أنا الورقة الوحيدة، ولن تطير.
في فرنسا يعدّون ساركوزي ديكتاتوراً، يخترق قيم الجمهورية الفرنسية، تلاحقه عدسات تكشف بشاعة الديكتاتور، تصنع من كل منها فضيحة، تسهم في إنهاء «ثورة ساركوزي»، في الانتخابات المقبلة، فالديموقراطية يمكن أن تأتي بديكتاتور أو فاشيّ، لكنها قادرة على إزاحته.
فارق كبير، يجعل الصور جزءاً من تثبيت الديكتاتور وخلوده في بلاد لا تعرف الديموقراطية، بينما الصور تزحزح الديكتاتور الديموقراطي.
الجديد في مصر أنّ هناك ما يهدّد قوة الديكتاتور، هناك قوة الغضب، هي التي كشفت الفبركة، وهي علامة التغييرات التي حدثت للمرة الأولى في تاريخ علاقة السلطة والمجتمع، لم يعد الغضب هبّات، لكنه هوجات تتحوّل كل منها إلى رغبة في التنظيم.
الغضب لا يموت في مصر، كما كان يحدث قبل ٢٠٠٥، أصبح هناك رصيد يتراكم لدى نشطاء يبنون ببطء شبكة بنية تحتيه للديموقراطية في مصر.
هذا البناء قد لا يكون مؤثّراً الآن، لكنه يهدد ثقة النظام في امتلاك كل الأوراق. هناك محاولات خفية لاستيعاب القوى العشوائية التي نشرت أفكار الديموقراطية خلال السنوات الأخيرة. عملية الاستيعاب تجري بخبرة سابقة، لا تدرك غالباً طبيعة قوى الغضب الجديدة في مصر.
هذه هي الورقة الغائبة حتى الآن.