خالد صاغيةيشهد أكثر من مكان في العالم العربي حروب «خلافة». من جهة، يرفض الإصلاحيّون التوريث أو التمديد. ومن جهة أخرى، يتمسّك آخرون بالتوريث أو التمديد من أجل متابعة المسيرة، الإصلاحيّة هي الأخرى، بحسب تعبيرهم.
لنضع المعارضة جانباً الآن، ولنركّز على عريضتين ظهرتا في مصر وتونس. العريضة الأولى تؤيّد توريث الرئاسة لجمال مبارك، وعلى هامشها ظهرت حملة تأييد غامضة لرجل الاستخبارات عمر سليمان. أمّا العريضة الثانية، فتناشد الرئيس زين العابدين بن علي البقاء في منصبه.
يمكن، للوهلة الأولى، النظر بخفّة إلى مروّجي هذه العرائض، ووصفهم بالانتهازيّين أو الوصوليّين أو الجبناء أو الساعين وراء لقمة العيش. لكنّ هذه النظرة تحمل الكثير من التبسيط، ولا سيّما عند التمعّن بأسماء الموقّعين. ففي مصر، أثار توقيع الباحث الليبرالي وأحد مروّجي أهزوجة «المجتمع المدني»، سعد الدين إبراهيم، عاصفة لم تهدأ بعد، إثر إعلان تأييده ترشيح مبارك الابن. أمّا العريضة التونسيّة، فضمّت أسماء أكاديميّين وفنّانين كمفيدة التلاتلي ولطفي بوشناق، حتّى لا ننسى هند صبري.
ثمّة ما يتجاوز الطابع الشخصي لهذه التواقيع. ففي زمن سابق، كان اليسار عموماً والقوميّون المتحمّسون للحرب على الاستعمار، متّهمين بالتواطؤ على الحريات العامّة بحجّة بناء الاشتراكيّة، أو الانشغال بدحر الأعداء عن أسوار المدينة. وظيفة الليبراليّين كانت الدعوة إلى الانفتاح وتفكيك الأوهام السوفياتيّة والتصالح حتّى مع فكرة الاستعمار لما حمله من تقدّم إلى المنطقة، وتركيز الجهود على بناء الفرد وضمان حريّاته الخاصّة والعامّة. كان المطلوب التسامح مع أمور كثيرة، لرفض فكرة واحدة، سمّيت التوتاليتاريّة، كي تنفتح آفاق التنمية والتقدّم والإصلاح. وبعد ذلك، نحلّ أمورنا مع إسرائيل ومع العدالة الاجتماعيّة، وإن شئتم... مع الوحدة العربيّة.
الوظيفة الليبراليّة باتت اليوم مختلفة. فمع صعود الإسلام السياسي، وتسلّم بعض أطيافه دفّة مقاومة إسرائيل، بات الديكتاتور حليفاً. ليست الحريات ما يشغل ليبراليّينا (وبعض اليسار) اليوم، بل الدفاع عن فكرة غامضة أخرى تدعى «التقدُّم». وإذا كان من المُغري حقاً التدقيق في المصطلحات المستخدمة في عريضة العار التونسيّة: «طريق الإصلاح والتحديث»... «التغيير الاجتماعي والبناء الحضاري»... فإنّ من المضحك المبكي أن يصبح التوريث مطلب طبقة رجال الأعمال، وأن تصبح جزمة الاستخبارات في مصر «البديل الحقيقي» للتوريث من أجل «ركب التقدّم والتطوّر» و«لتصعد مصر إلى مصاف الدول المتقدّمة» وألّا «تنجرف إلى نفق مظلم يكرّس تخلفها وتأخّرها»...
نحن الآن أمام حلف جديد في المنطقة: الديكتاتور في خدمة التنوير. فإلى الظلاميّة، يا شباب!