سلمان العندارييتامى الثورة» بتاريخ الأول من أيلول الجاري، الذي تناول فيه الكثير من المعلومات المغلوطة والمبالغ بها، قررت كتابة بعض الأسطر باعتباري معنيّاً كمواطن وكناشط في حركة «14 آذار» بما نُشر:عام 2005، كانت المعارضة اللبنانية (قوى البريستول) تتحضر لخوض انتخابات نيابية حاسمة تعيد إلى لبنان استقلاله وحريته وسيادته، مطالبةً بتحسين علاقته بسوريا على أساس الاحترام المتبادل والندية في التعاطي، وتعيد إليه نظامه الديموقراطي المفقود والمخطوف بفعل سيطرة النظام الأمني الاستخباراتي، وفي ظل وجود عسكري سوري دام أكثر من 30 عاماً. فاغتيل الرئيس الحريري، وانتفض الشعب اللبناني بغضب في الساحات رافضاً ثقافة «التسكيت» والإرهاب عبر ممارسة العنف والاغتيال والقتل الفتّاك بحق القيادات الوطنية.
كان كلّ شيء مختلفاً عام 2005، عندما تشكّل رأي عام لبناني صادق واعد ملّ الوقوف على الأطلال والسكوت عن الممارسات الاستخبارية التي كانت تقضم البلد وتنهشه آنذاك، فكان 14 آذار 2005، عندما احتشد مئات الآلاف في ساحة الحرية وقالوا كلمتهم الصاخبة التي غيّرت الواقع السياسي وأعادت إلى البلاد الحياة بعد سنوات من الغطرسة والافتراق.
لم نلتحق عام 2005 إلا بالحلم اللبناني التوّاق للاستقرار والحرية والسيادة والاستقلال الحقيقي، ولم ننجر إلى المشاريع الإقليمية التي حاولت وتحاول إلى هذه اللحظة ربط لبنان وخطفه واستغلاله. فالحلم مستمر حتى تحقيق كل الأهداف، إلى حين قيام الدولة القوية والعبور إليها رغم كل العراقيل والفِخاخ الموضوعة في دهاليزها وتفاصيلها، وفي أحياء مدنها وأزقتها. وبالتالي، فإنّ الكلام بأننا التحقنا بركب العاصفة الأميركية غير صحيح، لأن الشعب اللبناني ساهم بإرادته في تحقيق إنجازات ثورة الأرز «المستحيلة» دون إغفال العامل الخارجي «المُساعد».
نواب «انتفاضة الاستقلال» الحاليون والسابقون يعتبرون أن الالتزام بثورة الأرز هو التزام بما قام به الشعب اللبناني في 14 آذار 2005، يوم تحدى الحصار والإرهاب والسلطة التي كانت قائمة، وتمكن في لحظة تاريخية من قلب المعادلة وتغيير ما كان مستحيلاً في ذاك الوقت. وبغض النظر عن مواقع المشاركين في هذه الثورة ووجودهم في موقع نيابي أو لا، فهم ملتزمون التزاماً كاملاً كما معظم الشعب اللبناني بمبادئ ثورة الأرز، ويعتبرون أن ما يقوم به الرئيس سعد الحريري لتأمين الاستقرار في لبنان ما هو إلا محاولة لاستمرار مفاعيل ثورة الأرز وعدم عودتها إلى الوراء.
لم نلتحق عام 2005 إلا بالحلم اللبناني التوّاق للاستقرار والحرية والسيادة والاستقلال
أما المجتمع المدني والأهلي، فكان له الدور الأساسي في انتفاضة الاستقلال ومعركة الحرية وما زال، إذ مثّل رأس الحربة في الدفاع عن فكرة الدولة المدنية الجامعة التي يحكم فيها القانون لا الميليشيات، والديموقراطية لا الاستخبارات، وحقوق الإنسان والحريات لا الاستبداد والقمع. فهؤلاء الناشطون الشباب مستمرون في نضالهم رغم كل الأخطاء التي ارتكبتها قوى 14 آذار «السياسية» بحق أحلامهم في دولة مدنية لاطائفية. فالمجتمع المدني الآذاري المستقل يمثّل أساس وعصب هذه الحركة الكبيرة والممتدة على كل الأراضي اللبنانية، ولا خوف على مشروع الدولة بوجود أصوات صارخة تقول كفى لسياسة التيئيس والعرقلة وإعادة لبنان إلى عصر الكبت والممنوع.
خمس سنوات من النضال ولم تيأس الجماهير بعد. إذ على الرغم من بعض التعديلات التي طرأت في السياسة، والتي أتت انعكاساً للمتغيرات الإقليمية، وللتفاهمات التي انبثقت بعيد الانتخابات النيابية الأخيرة وتأليف حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري، فإن قوى 14 آذار ما زالت تقول كلمتها دون التراجع عن الثوابت والأهداف الأساسية التي رسمتها بأي شكل من الأشكال، وبالتالي فهي مستمرة في الحفاظ على مشروع السيادة والشرعية، وفي حماية لبنان من أي اعتداءات على أمنه واستقراره وحريته وسيادته. ولهذا فليرتح الغيارى وليطمئنوا بأن شعب 14 آذار مستمر في النضال إلى ما لانهاية، ولن يتوقف أبداً في الدفاع بشراسة عن هذا البلد مهما كلف الأمر.
الشعب اللبناني سيبقى «الدينامو الأساسي» وروح 14 آذار، ليصوّب ممارساتها وسياساتها ونهجها، وبالتالي فإن هذا الرأي العام الآذاري الاستقلالي وهذا المجتمع المدني الحيوي والصاخب سيحسم أي تشويش سياسي مفتعل، وأي محاولة للانقلاب على مشروع الدولة وحلم المؤسسات الحقيقية ليمثّل سدّاً منيعاً وجواباً نهائياً على كل الأسئلة، وليقول باستجابته الهائلة في كل مرة وفي كل استحقاق أن 14 آذار باقية ومستمرة وفاعلة رغم كل الأخطاء التي ارتكبت، والضغوطات التي مورست لكسر الإرادات، على أمل أن يتوحد كل اللبنانيين تحت لواء الدولة فقط لا غير.
نعم، أصابنا إحباط شديد بفعل محاولات تعطيل وعرقلة قيام الدولة من بعض القوى المعروفة والمصرّة على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، والمصرة على استخدام السلاح والقوة ساعة تشاء. إلا أن هذا الإحباط ليس قدراً ولن يكون كذلك، لأن الطريق طويلة والمسيرة لا بد أن تأخذ وقتاً، لأن عملية بناء الدولة القوية والسيدة والمستقلة والجامعة تتطلب المزيد من الوقت والتضحيات والصبر. ولهذا كله وأكثر، فليرتح الغيارى لأن 14 آذار بألف خير، وأعان الله من تيتّم بعد سنوات من الرعاية الأبوية اللامتناهية.
* صحافي لبناني