خالد صاغيةيقول الخبر: لمناسبة ذكرى ميلاد الرئيس، انطلق عدّاؤون كشفيّون من كل المحافظات، حاملين الأعلام الوطنيّة وأعلام الحزب الحاكم ورسائل تأكيد لنهج الرئيس والولاء لسياسة نجله حامل الأمانة. وبعد وصول العدّائين إلى ضريح الرئيس، وضعوا أكاليل من الزهر على ضريحه وأضرحة رفاقه، وتلوا سورة الفاتحة على أرواحهم الطاهرة، وذلك بحضور أعضاء مجالس المفوضيات المشاركة.
قد يكون هذا الخبر عاديّاً في أكثر من مكان في العالم، لكنّه لم يكن في يوم ما عادياً في لبنان أن تجري احتفالات عامّة في ذكرى ميلاد رئيس أو رئيس مجلس وزراء، حيّاً كان أو راحلاً. لكنّ الخبر أعلاه، مع الأسف، هو خبر لبناني. والرئيس الذي جرى الاحتفال بعيد ميلاده ليس إلا الرئيس المغدور رفيق الحريري، وحامل الأمانة ليس إلا رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري. أمّا الكشّافة، فهم كشافة «المستقبل»، والحزب الحاكم هو تيّار «المستقبل».
ولو اقتصر الأمر على الجراميز والجوّالة، لكان يمكن مروره مرور الكرام، إلا أنّ شخصيّات ونوّاباً أبوا إلا أن يحتفلوا بالمناسبة. وأحدهم تقمّص شخصيّة المسيح مخاطباً إلهه على الصليب حين قال: «اغفر لهم يا أبتاه». فإذا بنائب دكتور، وفي «بطاقة معايدة إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري لمناسبة ذكرى مولده» (How cute)، يخاطب «سيّد الشهداء» قائلاً: «اغفر لهم»، من دون أن تخلو البطاقة من مشاعر صادقة وعبارات إبداعيّة من نوع: «خيراً فعلت، واليوم شرّاً تلقى».
لا شكّ في أنّ للرئيس رفيق الحريري أياديَ بيضاء على كثيرين. والوفاء واجب في ذكرى اغتياله. أمّا الاحتفال بعيد ميلاده، فقصّة أخرى. قصّة تُدخل فريق «بناء الدولة» في لبنان في دوّامة عبادة الأشخاص وأَسْطَرة الإنجازات. ولو كانت تلك «العبادة» داخل الغرف المغلقة، لما كان للأمر أن يتّخذ أبعاداً خطيرة، لكنّهما عبادة وأسْطرة باتتا تدخلان في صلب نقاش الموازنات والسياسات العامّة، ولا سيّما الاجتماعيّة والاقتصاديّة منها. هكذا أصبح بإمكان وزيرة المال مثلاً أن ترى في البحث عن سياسات أكثر عدالة، أو المساءلة وفضح التزوير، نوعاً من المحرّمات، وتجرّؤاً على المقدّس.
...وكأنّ البلاد لا يكفيها ما فيها من أصنام.