من معوَّق
إنّي أكتب باسمه وباسمهم كي لا ننسى آلامه وآلامهم وعذاباتهم التي أرادها القدر لهم، ولم يكن يعلم أنّ تلك الآلام ستكون مضاعفة وأكبر بكثير في وطن أضحى العيش فيه عذاباً بحدّ ذاته.
إنّهم ذوو الاحتياجات الخاصة. ولهذه التسمية دلالات عدة أهمها أنه بإمكانهم أن يكونوا أناساً منتجين إذا ما توافرت لهم بعض الاحتياجات الخاصة التي على الدولة توفيرها لهم.
ورغم الاهتمام العالمي بحقوق المعوق، ورغم وجود قوانين في لبنان للاهتمام بالمعوق، فإنّ معظم هذه القوانين يبقى حبراً على ورق. ورغم وجود بعض التسهيلات والمساعدات من الدولة والمجتمع المدني، فإنّها تبقى غير كافية. أضف إلى ذلك أن معظم تلك الجمعيات أضحت شركات خاصة تجني أرباحاً وفيرة على جميع الأصعدة.
ولست في صدد انتقاد الدولة والمسؤولين، فهم منتخبون شرعياً ويعاد انتخابهم دوماً. وحين ينتقلون إلى رحمته تعالى، يُنتخب أبناؤهم. ولا يمكنني أن ألقي اللوم على الشعب، فقد لا يكون أمامه بديل، وهو يعطي الأولوية للحفاظ على وجوده وطائفته.
لذا، بما أنني أرى أن الشعب اللبناني مقتنع وراض وغير مبال، وبما أنني لا أستطيع أن ألوم الزعماء، أودّ أن أهنّئ اللبنانيين باسمي وباسم كل معوّق وباسم أخي أسامه الذي رحل في مثل هذا اليوم من السنة الماضية بعد رحلة من العذاب دامت 23 عاماً لقي فيها القليل من الاهتمام من بعض المؤسسات والكثير من قلة الاحترام من أكثرية التجار.
أهنّئ الشعب اللبناني باسمه وباسمهم، إذ إنهم خلقوا في لبنان وتمتعوا بخضاره، ما أنساهم آلامهم بين الأرز والصنوبر وجنات «عمدّ» النظر والمنجيرة والعنزات وإلى ما هنالك... وترعرعوا على أمجاد الفينيقيين، ما زاد من معنوياتهم.
نعم لقد تمتعوا بصحة جيدة رغم إعاقتهم، إذ كانوا يكثرون من التبولة والحمص والكبة النية. وقد تحسنت معنوياتهم بعدما حققنا إنجازات عالمية في مجال الحمص والتبولة.
وكان حقهم الانتخابي محفوظاً دوماً، ومن دون أن يتكبّدوا عناء الذهاب إلى مراكز الاقتراع. فقد أدركوا، كما نحن، أن الفائزين معروفون ولا حاجة إلى التغيير. ولقد عرفوا أن عليهم أن ينسوا حقوقهم.
أدرَكوا أن بناء سوليدير وحقوق السائح أهم من حقوقهم. وهل يستطيعون تخيّل حياتهم من دون الـDown Town؟
أخيراً، تحية لهم فقط. وتحية إلى أسامه الذي لن يفارقنا أبداً. ومن أجلهم أتمنى إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المتعدّين على حقوقهم! وألا يبقى أحد من الشعب والمسؤولين دون محاكمة؟
ميسم بوذياب