حسام كنفانيالمصالحة الفلسطينية إلى تأجيل جديد. الخبر مفاجئ لمن كان معوّلاً على اللقاءات والتفاهمات المستجدّة بين حركتي «فتح» و«حماس»، رغم الصفة العابرة للقاء الذي جمع بين عزام الأحمد وخالد مشعل. لقاء لم يلامس جوهر الخلاف بين الطرفين، وتكفّل بالبحث في قشور اللجنة الانتخابية أو إصلاح منظمة التحرير أو إعادة هيكلة الأجهزة الأمنيّة.
مفاعيل «التفاهمات» لم تصمد، والأجواء الإيجابية التي رافقتها سقطت بعد ساعات قليلة، ولا سيما من طرف حركة «حماس»، التي بدا أنها «ندمت» على فعلتها، فانبرى قياديوها للتشكيك في إمكان تحقيق نهاية للانقسام. الأمر كان قبل السجال (الذريعة) الذي حدث في قمّة سرت بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس. التشكيك كان من اليوم التالي، حين خرج رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك ليعلن أنه «لا يزال من المبكر الحديث عن المصالحة».
دويك محقّ. معطيات المصالحة لم تنضج بعد، وهي تحتاج إلى أكثر من لقاء عاجل بين مشعل وعمر سليمان أو بين مشعل وعزّام الأحمد. ربما اجتماع الفصائل العشرة في دمشق عكس واقع الفشل المرتقب للمصالحة مع كمّ اللوم الذي وجّه إلى «حماس» على تقاربها المفاجئ من «فتح». غالبية الفصائل في الاجتماع، الذي وصف بـ«الحامي»، صبّت اللوم على «حماس» لاستبعادها المسار السياسي عن عملية المصالحة.
يمكن القول إن ذاك الاجتماع كان شرارة إطلاق عملية التراجع في ملف المصالحة. والخلاف على الملف الأمني، الذي أوحى الطرفان في «التفاهم» أنهما في طريقهما إلى حلول وسطى حوله، بدأ يسير في خط التعقيد، رغم حديث «فتح» عن استعدادها لإشراك الحركة الإسلامية في أجهزة الضفة الغربيّة.
بالنسبة إلى القيادي في حركة «حماس»، محمد نزال، فإن الملف الأمني معقّد ومن غير السهل تجاوزه «في ظل التدخل الأميركي السافر»، وطالما أن «القرار الأمني ليس فلسطينياً».
هل اكتشفت «حماس» هذا المعطى حديثاً؟ هل كيث دايتون أو خليفته مايكل مولر هما عنصران طارئان على الملف الأمني في الضفة الغربية؟ ألم تكن «حماس» تعلم بأمر الدور الأميركي في الأجهزة الأمنية عندما قررت «التفاهم» مع عزّام الأحمد على ملاحق للورقة المصرية؟
بالتأكيد «حماس» خير من يعرف دور الولايات المتحدة وتسييرها للقوى الأمنية في الضفة الغربية، والتي تعدّ الحركة الإسلامية الهدف الأبرز لها. ومع ذلك، كانت على استعداد للتفاهم والمشاركة وهي تعلم أن النفوذ الأميركي لن ينتهي بين ليلة وضحاها، وأساساً هو بدأ كي لا ينتهي.
نزال أيضاً تحدث عن القرار الأمني الفلسطيني غير المستقل. كلامه دقيق جداً. كلام أيضاًَ ليس بجديد، فـ«حماس» تعلم أن السلطة رهنت أجهزتها بالكامل لخدمة التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال منذ تولّي محمود عبّاس الرئاسة. لكن القرار الأمني غير المستقل لا ينسحب على السلطة وحدها، «حماس» أيضاً لا يمكن أن تدّعي الاستقلالية الكاملة لقرارها الأمني، بغض النظر عن الطرف المتحكم.
عمليّة المقاومة الأخيرة في الخليل، التي نفّذتها «حماس» عشية انطلاق المفاوضات المباشرة في واشطن، قد تكون نموذجاً على العمل المسيّس للمقاومة في الضفة الغربية. فالمقاومة لا تزال قادرة على توجيه ضربات، رغم الحديث السابق للحركة الإسلامية عن الملاحقة المستمرة في الضفة، والتي تجعلها عاجزة عن إطلاق العمل المقاوم.
وبغض النظر عمّا كشفته العمليّة عن قدرة لـ«حماس» على الضرب والإيلام في الضفة الغربية، إلا أنه لا يمكن إخراج الهجوم من سياق التوقيت والرسالة السياسية التي كانت موجّهة إلى ما يحدث في واشنطن. بالتأكيد، الرسالة لم تكن «حمساويّة» بحتة، بل تندرج في إطار اصطفاف المحاور الإقليمية، التي تعدّ الحركة الإسلامية جزءاً لا يتجزأ منها. العملية لم تكن بداية نهج جديد قررته «حماس»، وإلا لكان باب المقاومة فتح على مصراعيه في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وهو ما لم يحدث بطبيعة الأمر. بل على العكس، فإن تقييد العمل العسكري، في قطاع غزة خصوصاً، آخذ في التوسع مع انضمام حركة «الجهاد الإسلامي» إلى دائرة معاقبة منفذي «العمليات الارتجاليّة».
المعايرة بالتبعيّة السياسية أو الأمنية قد لا تكون الوسيلة المثلى بالنسبة إلى «حماس» أو «فتح» لتبرير تعثّر جهود المصالحة، ولا سيما أن هذا الملف مرتبط بمعطيات أوسع من اتفاق على أجهزة أو لجان.
سجال الأسد وعبّاس كان عنصراً مساعداً لإنهاء ما بدأ في دمشق الشهر الماضي، لكنه ليس العنصر الأساس. عنصر يتشكّل من مشهد إقليمي عام وخيارات سياسة لم تتبدل، أو على الأقل لا تزال في الأطوار الأولى للتبدّل.
على هذا الأساس، فإن ما قاله أحد قادة «حماس» ذات مرّة عن «نهاية الورقة المصرية» لا يزال ساري الصلاحية، وبالتالي فإن وقت المصالحة لم يحن بعد.