حسام كنفانيمضى على العرض الأميركي فترة لا بأس بها من الزمن، ولا تزال المفاوضات على حالها المجمّد بانتظار تجميد أوسع للاستيطان لا يبدو أنه يرضي أحداً. لكن لا يمكن قياس كل أنواع الرضى بالمستوى نفسه، فهناك تفاوت وأهمية متفاوتة بين الموقف الإسرائيلي والآخر الفلسطيني، الذي يبدو، كعادته، في موقف المتفرج من معطيات الصفقة الأميركية الإسرائيلية، وتأخذه أهواء المواقف الأخرى، ولا سيما المصري، الذي يبدو أنه يستخدم الوضع الفلسطيني حالياً في إطار مناورة مع الولايات المتحدة.
معطيات كثيرة تؤشّر إلى المناورة المصرية المستجدة، التي تلعب بالموقف الفلسطيني حالياً لمصلحتها، ولا سيما بعد تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس أخيراً من القاهرة عن رفض العودة إلى المفاوضات قبل تجميد الاستيطان في القدس المحتلة، والنأي بالفلسطينيين عن الصفقة القائمة بين واشنطن وتل أبيب. العارفون ببواطن الموقف الفلسطيني يشيرون إلى أصداء مصرية في التصريحات العبّاسية، وخصوصاً أن أبو مازن متعطش للعودة إلى طاولة التفاوض بغض النظر عن الممهدات لذلك، فالمهم بالنسبة إليه هو الحصول على مطلب التجميد والحفاظ على ماء الوجه الفلسطيني.
غير أن موقفاً مصرياً بات يتحكم في تصريحات الرئيس الفلسطيني. الأجواء في القاهرة تدفع باتجاه اعتبار أنّ الصفقة المرتقبة هزيمة فلسطينية مسبّقة، سواء لجهة استبعاد القدس المحتلة من التجميد أو ربط وقف البناء ببناء ترسانة عسكرية إسرائيلية تزيد من خلل التوازن العسكرية في المنطقة. الموقف المصري محقّ، لكنه جديد، ولا سيما أن القاهرة لم تكن في السابق حريصة على الاستيطان في القدس ولا على التوازن العسكري في المنطقة. فما الذي استجد؟
الإجابة عن هذا السؤال قد تكون في السجال الأميركي المصري الأخير حول الرقابة الدولية على الانتخابات التشريعية. سجال وصل إلى ذروته في الفترة الأخيرة مع الحملات الصحافية المصرية على الموقف الأميركي من الانتخابات. القاهرة لا تملك أسلحة لمواجهة مطالب واشنطن، ولا سيما أنها سبق أن سلّمت كل أسلحتها للإدراة الأميركية. ما يمكن أن يلعب به النظام المصري اليوم هو ورقة المفاوضات الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية، التي تجهد الإدارة الأميركية إلى إعادة إطلاقها وتسجيل نقاط في حسابها. قد تكون الورقة الفلسطينية هي آخر ما تملكه القاهرة من نقاط قوّة في سجالها مع واشنطن. لذا لا بأس من رفعها في وجه «التدخل الأميركي في الشأن المصري».
الولايات المتحدة لا شك تدرك حجم التأثير المصري في الموقف الفلسطيني. تأثير سبق اختباره في أكثر من مناسبة، بدايةً من اجتماعات وزراء الخارجية العرب التي كانت تنتهي دائماً إلى تمديد المهل، بناءً على طلب مصري سعودي خصوصاً، مروراً بورقة المصالحة الفلسطينية التي لا تريدها القاهرة خارج سياق سيطرتها، وصولاً إلى إدارة الموقف التفاوضي الفلسطيني. على هذا الأساس، يمكن النظر إلى تصريحات عبّاس في ما يخص القدس المحتلة أو الأسلحة الأميركية. نظرة تشير إلى أن المقصود شيء مختلف، وخصوصاً أنه لم يسبق لأبو مازن أن أبدى انزعاجاً من صفقات الأسلحة الأميركية الإسرائيلية على مدى الفترة الماضية، رغم إدراكه أن في طياتها شيئاً من المساومة على «تنازل» في ملف التسوية. كما أن عبّاس لم يحرص في السابق على شمول القدس المحتلة بطريقة علنية في التجميد، ولا سيما أن الفترة السابقة لوقف البناء الاستيطاني، التي استمرت أكثر من تسعة أشهر، لم تكن شاملة القدس المحتلة علناً، إلا أنها أضيفت ضمناً، من دون أن يعني ذلك أن الاستيطان توقف، سواء في القدس المحتلة أو حتى في الضفة الغربية.
لكن بغض النظر عن المناورة المصرية على حساب الفلسطيني، وما يمكن أن تحصل عليه القاهرة من واشنطن، لا شك أن الجميع يعلم، وفي مقدمتهم مصر والسلطة، أنّ ما ستتفق عليه الولايات المتحدة وإسرائيل سيسري على عملية التفاوض رغم الاعتراضات الشكلية. إنها مناورة مرحلية قد تمتد فترة أطول من المعتاد، لكن في النهاية ستنجح واشنطن في فرض الاتفاق على الجميع. هذا ما يؤكّده المسؤولون الأميركيون الذين يدركون أن لا خيارات فلسطينية وعربية خارج الرضى الأميركي. والرضى الأميركي اليوم سيكون على الاتفاق مع إسرائيل.
المناورة المصرية على حساب الفلسطينيين قد تكسب القاهرة بعض النقاط من الإدارة الأميركية، ليتحول بعد ذلك الضغط المصري إلى الفلسطينيين، الذين سيرضخون «للشقيقة الكبرى»، وسيخرجون كالعادة بـ«صفر نقاط».