إعداد وترجمة ديما شريفلم تهتم الصحف الأميركية بخطاب أوباما الذي وجّهه إلى العالم الإسلامي في جاكارتا صباح الأربعاء الماضي، إذ رأى العديد منها أنّ إعادة صياغة خطاب القاهرة لا تستحق إفراد صفحات لتحليله، واكتفت معظم الصحف بنقل محتوى الخطاب وتفاصيل الزيارة الى أندونيسيا. وانسحب عدم الاهتمام على الصحف الديموقراطية والجمهورية على السواء مع استمرار تبعات الانتخابات النصفية الأسبوع الماضي. وفيما انصبّ الاهتمام أكثر على وضع السيدة الأولى ميشال أوباما غطاء للرأس «مثل المسلمين» داخل أحد المساجد، رأت قلّة أنّ الخطاب يؤسس لبداية جديدة أخرى مع المسلمين بعد خيبات القاهرة، وقد يعيد الحياة الى العلاقة المتوترة مع المسلمين

جديد قديم



إليزابيت فينغارتن *
في الرابع من حزيران 2009، توجّه الرئيس باراك أوباما إلى جامعة القاهرة، وحيّا الناس بعبارة «السلام عليكم»، بالعربيّة، وسحر العالم الإسلامي. قال الرئيس المصري حسني مبارك آنذاك لوكالة رويترز «أيام الإدارة السابقة، كان هناك شعور بأنّ العالم الإسلامي هو مجموعة من الإرهابيين. كان الإسلام مكروهاً ويجب مراقبة المسلمين... لكن أوباما أتى وقال «لن نحارب المسلمين والإسلام». إنه رجل متعاطف».
أدت عبارات أوباما إلى تغيير الشعور المعادي لأميركا في العالم العربي. قال «لقد أتيت إلى هنا في القاهرة لأبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم». لقد حصل على هذه البداية.
لكن اليوم، بعد 17 شهراً على ذلك الخطاب، فإنّ لائحة أوباما قد لطّخت. ويعود ذلك الى الركود في الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والشعور المحلي المعادي للإسلام كما جرى التعبير عنه في قضية بناء مركز قرطبة الثقافي، والقس تيري جونز الذي هدد بحرق القرآن في فلوريدا الصيف الماضي.
في 2008، وافق ستة في المئة من المصريين على طريقة عمل القيادة الأميركية. بعد خطاب أوباما، ارتفعت النسبة إلى 37 في المئة. في نيسان 2010، بلغت النسبة ذاتها 19 في المئة. وتشير أرقام استطلاعات مؤسسة غالوب إلى أنّ الوضع مماثل في دول عربية أخرى.
يقول ستيفين سايمون، وهو باحث مساعد في الدراسات الشرق أوسطية في «مجلس العلاقات الخارجية»، إنّه «لا يزال هناك انطباع بأنّ الولايات المتحدة تخوض حرباً ضد العالم الإسلامي». لقد زدنا التزامنا في أفغانستان، تركنا العراق وهو غير مستقر، ونحن نصعّد المواجهة ضد إيران. يقول سايمون إنّ المسلمين يفسّرون معركتنا الدبلوماسية ضد إيران بأنّ «الولايات المتحدة تبحث عن عدو جديد في العالم الإسلامي».
يبدو أنّ أوباما واعٍ لصورته السلبيّة في العالم الإسلامي
يبدو أنّ أوباما واع لصورته السلبية في العالم الإسلامي. في جاكارتا، حاول الرئيس أن يتابع خطابه في القاهرة ومد يده إلى المجتمع الإسلامي العالمي. أعرب عن التزامه المستمر بإصلاح العلاقات «المتوترة» بين الولايات المتحدة والمسلمين. واعترف بأنّه لا يمكن «أي خطاب محو سنوات من عدم الثقة، لكن يمكننا أن نختار القيام بالمهمة الصعبة المتمثلة بإيجاد أرضية مشتركة وإلزام أنفسنا بالسعي المستمر للتقدم». تحدث عن أفغانستان، والعراق والصراع الإسرائيلي ـــ الفلسطيني، وشدد على أنّ أميركا في حرب ضد المتطرفين، وليس الإسلام. وبالطبع، اعترف بوجود طريق طويل ينتظر الجميع.
قال «نعرف جيداً المسائل التي سببت التوتر لسنوات مضت، وهي مسائل تحدثت عنها في القاهرة. في الأشهر الـ17 التي مرت، تقدمنا بعض الشيء، لكن يبقى الكثير لتحقيقه».
ومن الواضح أنّ ملاحظات متابعة خطاب القاهرة كانت جزءاً صغيراً من خطابه في جامعة أندونيسيا. لم يقل شيئاً جديداً، أو مختلفاً. لماذا إذاً حاول البيت الأبيض أن يصوّر خطابه كأنّه متابعة لما بدأه في القاهرة. ولماذا اليوم؟
يبرز السؤال الأخير بعد الإعلان الإسرائيلي الاثنين الماضي عن بناء ألف وحدة سكنية في جزء متنازع عليه من مدينة القدس الشرقية. شجب أوباما الإعلان الثلاثاء، وقال «أنا قلق لأنّنا لا نرى أي طرف يقوم بالجهد الإضافي المطلوب للتوصل إلى حلّ». وأضاف «هذا النوع من النشاط لا يساعد أبداً في مفاوضات سلام». ربما كانت ملاحظاته مبرمجة لتكون أعادة تأكيد أميركي بالالتزام تجاه العالم الإسلامي.
لكن، حتى دون الإعلان الإسرائيلي، يقول سايمون إنّه كان من الصعب على الرئيس أن يتلافى موضوع الإسلام في زيارته الى جاكارتا، موطن أكبر جالية مسلمة في العالم. لقد كانت أندونيسيا منافساً لمكان الخطاب الأساسي في القاهرة.
يضيف سايمون إنّه «كان يبدو أنّ خطاب القاهرة سيسبّب خيبة أمل». ويتابع قائلاً إنّ «الانتقادات الموجهة للخطاب، كالقول إنّه غير صادق أو مجرد دخان، أوجبت رداً من البيت الأبيض. جاكارتا هي المكان للرد».
لكن جاكارتا كانت أيضاً مكاناً صعباً للرد. من وجهة نظر خارجية، عربية تحديداً، قد يبدو أنّ الخطاب تضمن القليل من النقاش للعلاقات الأميركية ـــ الإسلامية. لكن دونالد إيمرسون، وهو مدير منتدى جنوب شرق آسيا في مركز أبحاث شورينستاين لآسيا والهادئ التابع لجامعة ستانفورد، يقول إنّ البيت الأبيض حدد الخطاب بهذا الشكل عن قصد. لو خصص أوباما معظم وقته للتوجه الى المسلمين، لكان تخطّى عنصراً هاماً من الإيديولوجية الأندونيسية. فالعديد من القوميين الأندونيسيين لا يعتبرون الإسلام أهم عنصر في هويتهم.
يقول إيمرسون إنّ أوباما كان حكيماً في التوجه إليهم كأندونيسيين، لا فقط كمسلمين. ويضيف «المسلمون وغير المسلمين ينزعجون حين يرى الناس أنّ أندونيسيا بلد إسلامي»، فهي ليست كذلك. مثل الولايات المتحدة، لم يتجذر استقلال أندونيسيا في مفهوم عرقي أو ديني، أو هوية موروثة، بل تأسس على أفكار عدّة: الحرية، الوحدة والتنوّع.
شعر الأندونيسيون أيضاً بالتفاؤل بعد سماعهم خطاب القاهرة. لكن مثل المجتمعات العربية، شعروا بالخيبة في الأشهر الـ17 الأخيرة.
لذلك، كانت جاكارتا مكاناً مناسباً ليعيد أوباما إحياء دعم العالم الإسلامي. فهو يستطيع تبسيط رسالته عبر استخدام خطاب الأمل، والتحدث عن التشابه بين الدولتين.
قال أوباما «أؤمن بأنّ تاريخ أميركا وأندونيسيا يعطينا الأمل... نحن دولتان خضنا مسارات عدّة. لكن أمّتينا تظهران أنّ مئات الملايين ممن يختلفون عقائدياً يستطيعون أن يتوحّدوا تحت حرية علم واحد».
* عن مجلة «ذا أتلانتيك»

دفاعاً عن اليد الممدودة



مارك لينش *
يصلح خطاب الرئيس باراك أوباما المتقن في جاكارتا ليكون تذكيراً ببعض وعوده الأولى للتواصل مع المجتمعات المسلمة في العالم. لقيت جهوده القليل من التقدير منذ تحطم خيبات الأمل التي تلت التوقعات الكبيرة التي أجّجها خطابه في القاهرة. أصبحت كمية الشكاوى مألوفة اليوم. تتنوع بين فشله في تحقيق اختراق في عملية السلام الإسرائيلي ـــ الفلسطيني وفي غزة، وبين عجزه عن إغلاق معتقل غوانتنامو، وزيادة هجمات الطائرات بدون طيار، وتأثير التوجهات المناهضة للمسلمين في الولايات المتحدة على السياسات المحلية الأميركية، وغيرها. لقد وجهت أنا كلّ هذه الانتقادات، وأكثر أيضاً. فمن الصعب إيجاد أي شخص مستعد للدفاع عن تصرف الإدارة في الفترة التي تلت الخطاب، وخصوصاً مع إظهار استطلاعات الرأي هبوطاً حاداً في شعبية الولايات المتحدة في العالم العربي والانتقادات الإعلامية الحادة لاستراتيجية أوباما.
معظم الانتقادات نابعة من خيبة أمل من الوعود «السياسيّة»
لكن من المجدي اليوم أن نأخذ خطوة الى الوراء ونغدق بعض الثناء. لقد تمسكت الإدارة بالتزام الرئيس الواضح بإعادة العلاقات الإيجابية مع المسلمين رغم كل النكسات، في الوقت الذي كان فيه من الأسهل الاستسلام أو تغيير المسار. كذلك تقدم هو تقدماً حقيقياً في بعض المجالات التي لا تحظى باهتمام الصحافيين. أوضح الرئيس في خطابه في جاكارتا أنّه يفهم، ربما أفضل من منتقديه، أنّه «لا يمكن خطاباً واحداً أن يمحو سنوات من عدم الثقة». لكنّه أضاف «لقد آمنت وقتها، وأؤمن اليوم بأنّ لدينا خياراً.
يمكننا أن نختار أن يتم تعريفنا عبر اختلافاتنا والاستسلام لمستقبل من الشك وعدم الثقة. أو يمكننا اختيار القيام بالعمل الصعب، أي صياغة أرضية مشتركة». قد لا يكون هذا الالتزام الهادئ والطويل الأمد مثيراً للإعلام مثل النقاشات السياسية القوية، وليس ثورياً كما وعد خطاب القاهرة، لكنّه قد يكون في المحصلة النهائية أهم من عناوين اليوم. إذا نجح الأمر في بناء شبكات اهتمام قوية ودائمة مع الجيل المسلم الصاعد حول العالم، فقد نستيقظ بعد عقد من الآن، شاكرين جداً للجهود التي رأيناها غير جديرة بالملاحظة اليوم.
كان لهدف أوباما في مد يده الى العالم الإسلامي دائماً أبعاد قصيرة الأجل وأخرى طويلة الأجل. في الميدان التكتيكي المباشر كان من المهم، وعلى وجه السرعة، تحييد ميراث الشك والغضب الذي بقي من إدارة بوش. تحقيق ذلك كان سيجري عبر الاستفادة من العملية الانتقالية الرئاسية، التطرق الى الشكاوى السياسية المهمة، وتغيير الطريقة التي تعاطت بها أميركا مع الإسلام. فعل ذلك كان جوهرياً في تقوية مقاربة الإدارة في محاربة التطرف العنيف وعزل تنظيم القاعدة. وكذلك من أجل بناء مساندة لأولويات السياسة الخارجية الأميركية مثل السلام الإسرائيلي ـــ الفلسطيني، الانسحاب المسؤول من العراق، والتعاطي مع التحدي الإيراني المتعدد الأوجه. معظم الانتقادات التي تتناول يده الممدودة الى العالم الإسلامي نابعة من خيبة أمل من نتيجة واحدة من هذه الوعود «السياسية». أهم هذه الخيبات الإخفاقات على الجبهة الإسرائيلية ـــ الفلسطينية من المستوطنات الى غزة، وبشكل أقل استمرار سياسات «الحرب على الإرهاب» غير الشعبية. إني أشارك في هذه الشكاوى. يمكن الإدارة أن تشتكي من أنّ إخفاقاتها على هذه الجبهات لم تكن بسبب قلة المحاولة، لكن في النهاية لا يهم سوى النتائج. وقد عبرت الجماهير المستهدفة بوضوح عن عدم رضاها.
لكن كان هنالك دائماً جبهة ثانية لتواصل أوباما مع المجتمعات الإسلامية حول العالم. جبهة حفلت بالنجاح أكثر مما جرت تغطيته إعلامياً. فهمت الإدارة أنّ المجالات السياسية التي فتحتها القاهرة ويد أوباما الممدودة ستؤدي الى تشعبات طويلة الأمد في حال ترجمتها الى بناء شراكات متينة مع شبكات من المصالح المشتركة مع المسلمين حول العالم. استهدفوا خصوصاً الأجيال الشابة والصاعدة، وهو استثمار في المستقبل بدا في خطر كبير خلال «الحرب على الإرهاب» في الفترة التي تلت أحداث 11 أيلول، التي اعتبرها العديد من المسلمين حرباً أميركية ضد الإسلام.
هذا الهدف الطويل الأمد لا يمكن عزله عن الاضطرابات السياسية الهامة بالطبع. لكن دون الاستثمار الطويل الأمد، ستكون أرباح السياسة عابرة.
جهد مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية وعدد آخر من الوكالات، للتوصل الى «البداية الجديدة» في القاهرة
إذاً هو نجاح هادئ وصامت استطاع مسؤولو الإدارة التوصل إليه في الوقت الذي يركّزون فيه على الوظائف، الفرص الاقتصادية وتطوير الأعمال، التعليم، العلوم، الطب وغيرها. عمل مسؤولو مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية وعدد آخر من الوكالات، جاهدين للتوصل الى «البداية الجديدة» في القاهرة. عملوا أحياناً مع برامج صغيرة لا تحظى بالاهتمام، لكن يمكن، بشكل تراكمي، أن يساعد الناس ويساهموا في تكوين علاقات جديدة مع عدد كبير منهم.
جمعت «القمة الرئاسية للمبادرات» عدداً كبيراً من رجال الأعمال حول العالم، مع تركيز على بناء شبكات مستدامة مع القطاعات الأكثر تأثيراً من هذه المجتمعات. كان هناك مبعوثون جدد للعلوم، تبادلات تعليمية، برامج طبية، وجهود مبادرات على الإنترنت، كلّها مصممة لبناء ميادين جديدة للتواصل والشراكات الطويلة الأجل. هذه ليست أموراً ثورية أو تدعو إلى المفخرة. هذه هي الميادين التقليدية للدبلوماسية العامة، وهي ليست مكافأة جيدة في معظم الأحيان. النجاح صامت أيضاً في إعلان إدارة أوباما وإدارة بوش الأخيرة أنّ أميركا ليست، ولن تكون أبداً، في حرب ضد الإسلام. لقد حافظت على التزامها تجاه المسلمين رغم الانتقادات في الداخل والخارج، والنتائج المتواضعة. فعلت ذلك من موقع ضعيف سياسياً في الداخل أكثر من سابقتها، مع لازمة «أوباما مسلم» إلى التوجهات المعادية للإسلام في الولايات المتحدة. لقد رفض الرئيس نصائح سيئة بالعودة الى الهجوم الإيديولوجي أو الالتزام مجدداً بـ«حرب أفكار» كانت على الأرجح ستنفجر في وجهه. كما كانت لتعيد الخطابات الخطرة حول «الولايات المتحدة ضد الإسلام» التي تعتمد عليها القاعدة. هذا الخطاب المتماسك والرابح يستحق بعض الثناء، وخصوصاً أنّه يحمل بعض الأكلاف.
لا تفهموني بطريقة خاطئة. لم أغيّر رأيي في أي من الانتقادات التي وجهتها في ما يتعلق بهذه الجبهة خلال السنة والنصف الماضية. هناك العديد من الأشياء التي كنت أتمنى أن أراها تحصل على نحو مختلف، ومنها فرص ضاعت وأخطاء ارتكبت. أقلق من أنّ أي تقدم يحصل عبر هذه الجهود الصامتة يمكن محوه بسرعة عبر الإخفاقات في المسار الإسرائيلي ـــ الفلسطيني، هجمات الطائرات بدون طيار، أو الاهتمام الذي تمنحه وسائل الإعلام للتحركات المناهضة للإسلام. إطلاق الكثير من الوعود وعدم تحقيق الكثير، هو مجازفة دائمة (وهو درس يجب على المطالبين بأن يتخذ أوباما موقفاً علنياً أقوى في ما يتعلق بتقدم الديموقراطية في مصر، أن يبقوه نصب أعينهم). لكن من المجدي أيضاً التراجع قليلاً في يوم كهذا والاعتراف ببعض إنجازات الإدارة الحقيقية والهادئة. إنجازات لا نلاحظها في معظم الأحيان.
* عن مجلة «فورين بوليسي»