خالد صاغيةالمحكمة الدولية ليست المحكمة الدولية. سقطت منذ أيّام الثعلب الألمانيّ الذي جاء يبحث عن كلّ أسرار الشرق، باستثناء أسماء القتلة والمجرمين. سقطت ولم يبقَ منها إلا دروس يلقيها رجل متعجرف من لاهاي، عن ضرورة اللهاث وراء العدالة حتّى الرمق الأخير، وإن أدّى ذلك إلى الخراب. فالتضحية ببلد صغير من العالم الثالث ليست ذات قيمة ما دامت مفاهيم العدالة الدولية، كما يحلو للرجل المتعجرف نفسه أن يتصوّرها، ستنتصر في النهاية.
إنّنا مرّة أخرى أمام الأطروحة التي حملتها كوندوليزا رايس إلى لبنان في حرب تمّوز. فليتحمّل اللبنانيّون القصف الإسرائيلي، ومجزرة قانا ثانية وثالثة ورابعة، ما دامت تلك التضحيات ستبني الشرق الأوسط الجديد، أي الشرق الأوسط كما يتصوّره الرجل المتعجرف نفسه، وقد اخترع له شرطيّاً دائماً، وحدوداً جديدة، ومقاييس خاصّة للتنمية، ودمى متحرّكة ترث العروش وتورث الشقاء.
وهي الأطروحة نفسها التي حملها جورج بوش إلى العراقيّين يوم دعاهم إلى تحمّل الحصار ثمّ القصف ثمّ الإذلال ثمّ الموت الذي لا ينتهي، من أجل أن تسود الحريّة. الحريّة كما يراها الرجل المتعجرف نفسه. حريّة ابتلاع النفط حتّى آخر طفل عراقيّ يموت بداء الكوليرا. فيا مرحباً بالموت ما دامت تأتي على أجنحة غربانه الاستثمارات الأجنبيّة.
وهي الأطروحة نفسها التي دعت الأفغانيّين إلى تسمية نمط حياتهم تخلّفاً، وفرضت عليهم موت الأطفال مقابل تحرير المرأة. تحرير، كما يهواه الرجل المتعجرف نفسه، حتّى تصبح الأفغانيّة شقراء ذات عينين زرقاوين.
المحكمة الدولية ليست المحكمة الدولية. إنّها جزء من الماكينة التي تدعونا دائماً إلى التضحية من أجل بلوغ خطّ رسمه لنا التاريخ بأحرف غربيّة. التاريخ الذي لا يرى في موتنا إلا أضراراً جانبيّة للخلاص الآتي إلينا باسم الديموقراطيّة البوشيّة حيناً، وباسم مكافحة الإرهاب أحياناً، وباسم العدالة الدوليّة.
انظُر إلى شرقنا الأوسط الجديد، أيّها الرجل المتعجرف. هل أصبح جديداً بما فيه الكفاية؟ هل راقتك الفتنة السنيّة ـــــ الشيعيّة؟ كيف تبدو لك من واشنطن في فصل الخريف؟ هل الرؤية أفضل من لاهاي؟ الطقس جميل في بيروت. البحر رياحه سطحيّة. لكنّ الهواء ثقيل ثقيل ثقيل.