خالد صاغية«خلص دمهم». هكذا قضى الضحايا الأربع في وادي خالد. أُطلق عليهم الرصاص، لكنّ الرصاص ليس هو ما قتلهم. ما قتلهم فعلاً هو أنّهم تُركوا ينزفون إلى أن «خلص دمهم». ما حدث السبت في عكار كافٍ وحده ليحمل صفة المأساة الوطنيّة، وخصوصاً أنّ مطلقي النار هم ممّن يرتدون بزّات عسكريّة رسميّة، ويؤدّون واجباً رسمياً، باسم الدولة التي لا يكاد يعرف منها العكاريّون إلا وجهها البشع. لم يشفع بعكّار سابقاً أنّها «خزّان الجيش»، ولم يشفع بها لاحقاً أنّها باتت «خزّان التظاهرات المليونيّة»، وجيش الاحتياط الحريريّ. اقتصرت الحكاية على باصات تأتي فجراً، تحمّل الركّاب إلى ساحة الشهداء، قبل أن تعود بهم عند انتهاء الخطابات إلى قراهم محمّلين ببعض السندويشات... والوعود الانتخابيّة. وعود بدأت بكلام عن تنميةٍ مُنعت الحريريّة من تنفيذها خلال حقبة «الوصاية»، وانتهت بتوظيفات في شركات أمن خاص أُنشئت للاصطدام بمواطنين من طوائف أخرى. صحيح... كدنا ننسى نائب البرلمان المستقبلي الذي قرّر أنّ مشاريع التنمية تبدأ بمجزرة في عاصمة القضاء، حلبا.
«خلص دمهم». المختار، مختار بلدة الهيشة في وادي خالد، كما في مسلسل «الدنيا هيك»، عرف جيّداً كيف يشخّص الحالة. استخدم التعبير، ربّما، لكونه لا ينطبق على الضحايا وحسب، بل كذلك على سائر سكّان الوادي الذين انتظروا عقوداً قبل أن يحصلوا على الجنسيّة اللبنانيّة. جنسيّة ما لبثت أن تحوّلت إلى ما يشبه حبل المشنقة.
غير أنّ مأساة نهاية الأسبوع لا تقتصر على منطقة بذاتها. فطريقة القتل تحمل من الرمزيّة ما يكفي لتصبح أداة المجزرة الجماعيّة التي تُرتكَب بحقّ اللبنانيّين جميعاً. لا حاجة للضغط على الزناد، ولا لتهمة تهريب البضائع على الحدود، ولا للاستفراد بنا في منطقة نائية. فحين تنتهي حقبة التشنّج الحاليّة بتبادُل قُبل على خطّ الماراتون، أو حين تستمرّ إلى أن يتمكّن فريق من ليّ ذراع الفريق الآخر، سنعرف جميعاً أنّنا بتنا في عالم آخر، بعدما قضى الموت البطيء علينا. موت يسمّى انتظار الفتنة، وتوقُّع شكلها ولونها وتوقيتها...
وسيأتي من يكشف على جثثنا الحزينة، ويكتب في تقريره الطبّي: «خلص دمهم».