خالد صاغيةمن سخرية القدر أنّ المتحمّسين للسيناريوهات الانقلابيّة في لبنان ليس حزب اللّه واحداً منهم. صحيح أنّ الحزب يعدّ نفسه، على الأرجح، لكل الخيارات، لكنّ حلفاء الحزب وأصدقاءه هم الذين يَبدون أكثر حماسة لعمل شبيه بالسابع من أيّار. فإلى التصريحات والمقابلات التي تُبثّ وتُنشر كلّ يوم، والتي تهدّد بالويل والثبور، شهد انعقاد طاولة الحوار، أمس، حادثاً جديراً بالتوقّف عنده. فقد أعلن النائب محمّد رعد، ممثّل حزب اللّه على طاولة الحوار، مقاطعة الجلسة «تضامناً مع» الجنرال ميشال عون الذي كان قد أعلن مقاطعته. عون يقاطع إذاً الحوار حول الاستراتيجيّة الدفاعيّة، فيتضامن حزب اللّه معه. يصبح الخبر أكثر إثارةً للاهتمام حين نعرف أنّ سبب المقاطعة هو الاحتجاج على التلكؤ في بحث ملف شهود الزور. وهو ملف يعني حزب اللّه قبل سواه، إلا أنّ ردّ الفعل الأكثر حدّة لم يأتِ من الحزب نفسه.
وعلى المقلب الآخر، يمكن أن نلاحظ الكثير من «التفشيخ» في أحاديث بعض نوّاب «المستقبل»، ولا سيّما مِن قِبَل لسان من لا لسان له، إلا أنّ ذلك لا يرتقي إلى دور رأس الحربة الذي ارتأى سمير جعجع أن يكلّف نفسه به دون نجاح كبير. أمّا الجبهة المسيحيّة الأربطعش آذاريّة الجديدة، فيُخشى أكثر ما يُخشى أن تأخذ على عاتقها تنفيذ ما يعجز جعجع عن تنفيذه منفرداً، أي أن تؤدي دور الصقور حين تضطرّ التوازناتُ سعدَ الحريري إلى أن يقوم بدور الحمائم.
الأرجح أنّ المسألة لا تتعلّق بتوزيع أدوار، بقدر ما تدلّ على اختلاف في وجهات النظر بشأن كيفيّة مواجهة احتمال صدور قرار عن المحكمة الدولية يتّهم عناصر من حزب اللّه باغتيال الرئيس رفيق الحريري. وليست الصدفة وحدها ما يجعل قادةً مسيحيّين يؤدّون هذا الدور العنيد، فيما يتروّى الطرفان الأساسيّان لدى السنّة والشيعة. وإذا كان التفسير الطائفيّ لهذه المسألة واضحاً، فإنّه يبدو خطيراً، وخصوصاً أنّ المثال العراقيّ ماثل أمام أعين الجميع.
كان يمكن المرء أن يتصوّر دوراً مختلفاً للقوى المسيحيّة في لبنان. دور أكثر تعقّلاً لا يلغي الاصطفاف هنا أو هناك. إلا أنّ التهميش والإبعاد عن السلطة لا ينتجان، على ما يبدو، إلا مزيداً من التعطّش إليها... حتّى لو كان تعطّشاً على حافّة الانتحار.