إعداد وترجمة ديما شريفكما كان متوقعاً، خسر الديموقراطيون الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، في اقتراع عاقب فيه الناخبون الرئيس باراك أوباما وحزبه على سياسات العامين الماضيين. لم يكن الناخبون راضين عن القوانين المثيرة للجدل التي صدرت في عهد أوباما، إضافةً إلى السجال بشأن الأموال التي دُفعت لإنقاذ الشركات دون أن يترجم ذلك في انخفاض البطالة. وفيما رفض أوباما مساء الأربعاء اعتبار خسارة حزبه رفضاً لأجندته، تباينت ردود فعل المحلّلين من الجانبين. فطغت «الشماتة» على خطاب المحافظين، فيما كان بعض الليبراليين يأملون أن تكون الإدارة قد تعلمت الدرس وفهمت ما يريده الناخبون

أنقذهم فغلبوه



تيموثي إيغان *
لو كنت واحداً من المتبرّعين المؤسساتيين الكبار الذين موّلوا الموجة الجمهورية التي حملت إلى مجلس النواب أكثر من خمسين نائباً جديداً، لكنت حذراً مما اشتريته للتو.
فمهما كان رأيكم تجاه الرئيس أوباما، فهو من أنقذ الرأسمالية، بفاعلية. ولأجل ذلك، دفع ثمناً سياسياً رهيباً.
افترِض أنّه كان لديك مئة ألف دولار للاستثمار في اليوم الذي جرى فيه تنصيب باراك أوباما رئيساً. لماذا المراهنة على ديموقراطي ليبرالي؟ سأشرح الأسباب الموجبة: أنتجت رئاسة جورج بوش الابن أسوأ هبوط في البورصة في تاريخ أي رئيس أميركي. انهارت القيمة الصافية للمنازل الأميركية في الوقت الذي رحل فيه بوش. وإذا كان المرء بحاجة إلى قرض لشراء منزل أو الحفاظ على عمله، لم يكن هناك قروض من القطاع الخاص حين سلم مقاليد السلطة.
لكنّ الأسواق، حتى لو كانت قائمة على التوقّعات، لا تُعَدّ مقياساً دقيقاً للاقتصاد، والكساد الكبير حرّف أرقام بوش. حسناً. لماذا لا نُلقي نظرة على المؤسسات المالية الكبيرة التي تبقي محركات الرأسمالية شغالة، أي المصارف وشركات صناعة السيارات؟
أُعيدت الحياة إلى النظام المصرفي عبر إنقاذ كلف 700 مليار دولار بدأه بوش (وهي حقيقة لا يعرفها معظم الأميركيين)، وأنهاه أوباما، مع مساعدة من الاحتياطي الفدرالي المركزي. نجح الأمر. كان متوقعاً من الحكومة أن تخرج متعادلة من رهان محفوف بالخطر لتوفير الاستقرار لنظام الأسواق الحرة العالمي. لو اتبع أوباما الغرائز الشعبوية لعدد من أعضاء حزبه، لانهارت أسس الرأسمالية الكبيرة. لقد فعل ذلك دون تأميم للمصارف، كما حثّه ديموقراطيون آخرون. كذلك إنّ إنقاذ صناعة السيارات الأميركية، الذي كان عائقاً كبيراً أمام رأسمال أوباما السياسي، هو إنجاز ضخم تقدره قلة خارج ولاية ميتشيغان. فبعدما نالتا إنعاشاً من أموال دافعي الضرائب من أوباما، تكسب شركتا «جنرال موتورز» و«كرايسلر» أموالاً عبر صناعة سيارات. حتى إنّ من المفترض افتتاح مصانع جديدة. كان أكثر من مليون وظيفة ستختفي لو صُفِّي القطاع المحلي للسيارات.
مليارات من الأرباح وتحسّنات في سوق الأسهم ونظام مصرفي مستقر لكن لا وظائف
كتبت مجلة «ذا إيكونوميست» التي عارضت رزمة إنقاذ صناعة السيارات وملياراتها الـ86، «يجب أن نعتذر من باراك أوباما». أما في ما يتعلق بـ«غافرمانت موتورز»، فبعدما عادت من الإفلاس، ستعرض أسهماً جديدة في أسابيع قليلة، وحكومة الولايات المتحدة التي تمتلك 60 في المئة من أسهمها المشتركة، ستكسب أرباحاً. نعم، أُنقذت صناعة، وستكسب الحكومة أموالاً من الصفقة، وهي واحدة من نجاحات أوباما الاقتصادية. نسبة الفوائد في أدنى مستوى لها منذ زمن. وارتفعت أرباح الشركات الكبرى، وهذه السنة هي الأفضل كسباً منذ عقود.
كل ما ذكرناه هو جيد للرأسمالية، ويجب أن ينهي أي نقاش جدي عن أوباما الاشتراكي. لكن أكثر من أي شيء آخر، فإنّ حقيقة أنّ الرئيس أصلح الأخطاء البنيوية لنظام المؤسسات الحرة عوض تركيزه على الأمور التي قد يفهمها الناخب العادي، تفسر لماذا مني حزبه بهزيمة نكراء يوم الثلاثاء. لقد أثار أوباما قلق الناخبين في عقد من الأوضاع الصعبة.
قال أوباما لجون ستيوارت: «لقد فعلنا أموراً لا يعرفها الناس». بالتأكيد، الإنجازات الكبرى لأول سنتين له عُدّت أنّها من أخطاء الحكومات الكبرى، ورفضتها الأغلبية الصاعدة. وهذه الإنجازات هي: قانون الرعاية الصحية الذي سيسهل الحياة على ملايين الناس، والإصلاح المالي الذي يحاول أن يجعل اللعبة متساوية مع «وول ستريت»، ورزمة التحفيز المالي التي كلفت 814 مليار دولار.
لكنّ كلاً من هذه الإنجازات، وحده، يجب أن يزيد النظام قوة. سيخفض قانون الرعاية الصحية الأكلاف، في الوقت الذي سيعطي فيه الملايين فرصة الحصول على رعاية، وفق مكتب الموازنة في الكونغرس. يسعى الإصلاح المالي إلى منع التدهور الذي سبّب الانهيار الاقتصادي العالمي. ورزمة التحفيز، رغم أنّها رفعت بنحو كبير العجز، فإنّها أنقذت نحو ثلاثة ملايين وظيفة، وفق مكتب الموازنة أيضاً. كذلك فإنّها منحت أغلبية من دافعي الضرائب خفوضات لمرة واحدة، حتى لو كان 90 في المئة من الأميركيين لا يعرفون ذلك أيضاً.
بالطبع، لا ينسب إلى أي شخص قدرته على تجنب سقوط طائرة. لا يصرخ الناس في التظاهرات بعبارة «كان من الممكن أن يكون الأمر أسوأ بكثير!». وأكثر من ذلك، رغم الارتفاع الهزيل في نمو الوظائف هذا العام، ارتفعت البطالة من 7.6 في المئة في الشهر الذي تسلم فيه أوباما الحكم إلى 9.6 في المئة اليوم. هناك مليارات من الأرباح وتحسنات غير متوقعة في سوق الأسهم ونظام مصرفي مستقر، لكن لا وظائف.
بالطبع، إنّ المصالح المالية الكبيرة التي استفادت من مبادرات أوباما لم تظهر أي امتنان. حين كان سيناتوراً، صوّت أوباما ضد إنقاذ شركة التأمين العملاقة المتهورة «إي آي جي». حين أصبح رئيساً، منحهم قروضاً من الخزينة حين قال اقتصاديون إنّه يجب أن يفعل ذلك أو يخاطر بحصول انهيار إضافي. ردهم كان منح أنفسهم علاوات تنفيذية بقيمة 165 مليون دولار، والتبرع بالأموال إلى الجمهوريين هذا العام.
يتدفق المال في اتجاه واحد، إلى السلطة، التي يحتفظ بها الآن حزب يعدنا بخفوضات ضريبية وتحرير من القيود، ما سيرضي الأعمال الكبيرة أكثر. يمكن أوباما أن يعيد تصنيف نفسه على انّه صديق المستهلك المفضل، ويتقبل عدائية «وول ستريت». يجب أن يكون مستبداً مع الشركات التي تملك تلالاً من الأموال ولا توظف عمالاً جدداً. أما من يوظّف، ويخلق وظائف جديدة، فيمكن أن يعرض عليه محفزات ضريبية. يجب أن يشير بالإصبع إلى عمالقة المال الذين يرفضون تنظيف الفوضى التي سببوها في أزمة الرهونات العقارية. يجب أن يتحدث عن الحماية التي وفرها الإصلاح لحاملي البطاقات الائتمانية. ويجب عليه أن يشهر حق الفيتو ضد أي قانون يحاول إطاحة أي حماية للشعب، ضد المؤسسات التي تتحكم بحياتهم، أي شركات التأمين و«وول ستريت» وشركات النفط الكبرى.
المتحكمون بالثروات الكبيرة سيشنون حملة شرسة. سيدّعون أنّ هناك حرباً على الأعمال المستقلة. ليسوا قريبين من الحقيقة. أوباما أنقذهم، ودفع الثمن الأكبر.
* عن صحيفة «نيويورك تايمز»

هل سيسمع صوت الناخبين؟



بعث الناخبون في انتخابات الثلاثاء رسالة صاخبة إلى الرئيس أوباما: لا تعجبهم الطريقة التي يمارس بها عمله، وهم أكثر غضباً على الديموقراطيين في الكونغرس، وأعادوا مجلس النواب إلى الجمهوريين. أمضى الجمهوريّون أشهراً يزكّون فيها غضب الأميركيين من الاقتصاد وخوفهم من «الحكومات الكبيرة»، في الوقت الذي قدموا فيه بعض الأفكار الخاصة بهم. تشير الأرقام إلى أنّهم نجحوا في تحريك قاعدتهم الشعبية، في الوقت الذي فشل فيه الديموقراطيون في ذلك.
الأميركيون الذين صوتوا، وصفوا أنفسهم بأنّهم جمهوريون أكثر مما فعلوا في 2006 و2008، و أكثر مما يوجد فعلياً بين الشعب. أكثر من أربعة من أصل عشرة قالوا إنّهم يناصرون «حزب الشاي». لكن أكثر من نصف المحافظين قالوا إنّ لديهم آراءً سلبية عن الحزب الجمهوري.
السؤال هو: هل سيستخلص الطرفان الدروس الصحيحة من هذه الانتخابات النصفيّة؟
بعد الانتخابات أوحت الأرقام أنّ الناخبين المحافظين يفهمون ما لا تفهمه قيادة الحزب الجمهوري
على أوباما وحزبه أن يقوما بجهد أفضل في تفسير رؤيتهم وسياساتهم. على أوباما أن يغيّر عاداته القاضية بإهمال القاعدة الشعبية من الناخبين والجلوس على الهامش والسماح للآخرين بأن يحددوا شكل النقاش. يجب أن يقوم بعمل أفضل في تقوية قادة حزبه.
لقد جعل الأمور أسهل على خصومه لقلب وتحوير ما يجب على الأميركيين أن يعتبروه تطوّراً حقيقياً في أوقات صعبة جداً. التطور نابع من إصلاح تاريخي للرعاية الصحية ورزمة تحفيز مالية خرجت من كساد كبير وإصلاح مالي لتجنب انهيار آخر.
أمام أوباما الكثير من العمل الصعب. على الأرجح، ستصبح السياسة في واشنطن أكثر شراً. وقبل أن يستطيع أن يأمل بناء أيّ تعاون ضروري بين الحزبين، على أوباما أن يجمع المزيد من الأميركيين حول منطق سياساته.
السؤال بالنسبة إلى الجمهوريين الآن هو هل سيثملون بفوزهم أم سيبدأون العمل الحقيقي في الحكم. الوضع مختلف حين يكون المرء خارج الحكم، يعارض ويعرقل. مع حكومة منقسمة، لن يطول الأمر بالناخبين حتى يطالبوهم بتفسير خططهم.
لم يعطِ جون باينر، الرئيس العتيد لمجلس النواب، أيّ دليل على الطريقة التي سيبدأ بها حزبه خفض العجز، وهو أمر يقول الجمهوريون إنّه يتصدر أولوياتهم. أحد الوعود المحددة التي أطلقها ستخلف هوّة أكبر: تمديد كلّ الخفوضات الضريبية التي أقرها بوش.
وأوحت الأرقام بعد الانتخابات أنّ الناخبين المحافظين يفهمون ما لا تفهمه قيادة الحزب الجمهوري: لا توجد وسيلة لمعالجة العجز وإلغاء الضرائب في الوقت نفسه. قال 19 في المئة فقط إنّ خفض الضرائب يجب أن يكون أولوية للكونغرس المقبل.
مع توقعهم فوزاً كبيراً يوم الثلاثاء، لم يتحدث الجمهوريون الأبرز عن جوهر الأمور، بل كانوا يطرحون المزيد من العرقلة. قال السيد باينر منذ أيام إنّه مرحب بالرئيس إن أراد مساندة البرامج الجمهورية. لكن في ما يتعلق بأجندة أوباما، قال «سنفعل ما بوسعنا، وأعني كل ما نستطيع فعله، لقتلها وإيقافها وتخفيف سرعتها، كل ما نستطيع فعله».
أما مايك بنس، وهو القائد الجمهوري الثالث في الهرمية الحزبية، فقد قال إنّه لن يكون هناك «تسوية» حول إلغاء قانون إصلاح الرعاية الصحية وتمديد الخفوضات الضريبية التي أُقرت في عهد بوش إلى الأبد، وخصوصاً لأكثر الأميركيين ثراءً.
على أية أغلبية جمهورية في مجلس النواب أن تطبّق أولويات جمهورية. لكن ما سمعناه يبدو مقلقاً، كما حصل بعد انتخابات 1994، حين أعلن رئيس مجلس النواب المقبل نيوت غينغريتش، أنّه لن يكون هناك تسوية على برنامجه.
كانت النتيجة شللاً كاملاً. أوقف الجمهوريون عمل الحكومة. ما كلّف غينغريتش وظيفته والجمهوريين أغلبيتهم.
هناك أمر واحد واضح جداً من الاستطلاعات والاقتراع، وهو أنّ الأميركيّين ضاقوا ذرعاً من هذا النوع من الألعاب. إنّه شديد السوء بالنسبة إلى البلاد.
* افتتاحية «نيويورك تايمز»
في 3 تشرين الثاني 2010


من خسارة إلى هزيمة نكراء



لا يمكنهم أن يقولوا إنّهم لم يتلقّوا أي تحذير. فقد أظهرت استطلاعات الرأي أنّ المستقلّين بدأوا بالابتعاد عن الرئيس باراك أوباما في ربيع 2009. وظهر من خلال الاجتماعات المحلية في الصيف أنّ هناك معارضة قوية لخطة الديموقراطيين المتعلقة بالرعاية الصحية. في تشرين الثاني 2009، ربح الجمهوريون في فيرجينيا ونيوجيرسي، وهاتان ولايتان اكتسحهما أوباما في العام المنصرم. بعد أشهر عدّة، ساعدت معارضة قانون الرعاية الصحية الجمهوري سكوت براون على ربح المقعد الذي شغله تيد كينيدي
لعقود.
كان لدى الديموقراطيين الكثير من الوقت لتغيير مسارهم. لكنّهم قرّروا واعتقدوا أنّ الجمهور مشوش وسيعود إلى رشده. الاقتصاد السيئ والمكاسب الديموقراطية السابقة كانت تعني أنّ نتائج الجمهوريين ستتحسن في هذه الانتخابات، وخصوصاً في مجلس النواب. وهذا العناد الديموقراطي هو ما حوّل الخسارة إلى هزيمة نكراء. سيطر الجمهوريون على مجلس النواب، وهزموا ليبراليين من العيار الثقيل أمثال السيناتور راس فاينغولد من ويسكونسن، وكسبوا حاكميات عدّة ومجالس تشريعية محلية. سيكون في مجلس النواب جمهوريون أكثر مما كان منذ الأربعينيات.
يستحق الجمهوريون بعض الثناء على نجاحهم. لم تعُقهم الشعبية المبكرة للرئيس من معارضة رزمة تحفيز منتفخة، ونبذوا الحجج السطحية حول التعاون مع الديموقراطيين في توسيع سيطرة الحكومة على الرعاية الصحية. ببساطة، رفضوا الإذعان لما جرى التنبؤ به عن انقراضهم.
كذلك يجب على مناصري «حزب الشاي» أن يفتخروا بأنفسهم. ففي الوقت الذي يُصوَّرون فيه على أنّهم متطرفون وعنصريون، نجحوا في تكوين تحالف ربح أغلب الأصوات، وأسهم في وصول عدد غير مسبوق من الجمهوريين من غير ذوي البشرة البيضاء (سيكون في البلاد حكام ولايتين من أصول هندية، وهما جمهوريان).
مثل كلّ الحركات السياسية، وخصوصاً الجديدة منها، ارتكب مناصرو «حزب الشاي» أخطاء. لكنّهم رأوا فرصة تلوح في الأفق لتغيير توجه البلاد، وتمتعوا بالشجاعة لخوض المعركة. كانوا عنصراً لا يستغنى عنه في انتخاب عدد من نجوم المحافظين الجدد، مثل ماركو روبيو وبات تومي ورون جونسون (يأتي الثلاثة من ولايات ساندت أوباما). عدد من المنتقدين الذين توقعوا تراجعاً جمهورياً نحو الجنوب بعد انتخاب أوباما، يتصرفون اليوم كأنّهم توقعوا النتيجة الحالية منذ البداية. سيتحوّلون إلى تحذير الجمهوريين من الفشل في المرة المقبلة. وبالفعل، هناك محاذير وإنذارات يجب أن يسمعها الجمهوريون، لكن ليس اليوم، وليس منّا
نحن.
أكثر الأصوات المحذرة الآن هي تلك التي لا يزال يرفض الديموقراطيون بنحو ملحوظ الاستماع لها. يستمرون في الاستنتاج أنّ الجمهور سيعود إلى رشده، وأنّ الطفرة الجمهورية في السنتين الماضيتين مجرد انحراف. بالنسبة إلى الجمهوريين، فإنّ الحقيقة هي نذير أفضل لعام 2012 من ايٍّ من نتائج انتخابات الثلاثاء الفائت.
* افتتاحية «ناشيونال ريفيو» المحافظة
في 3 تشرين الثاني 2010