خالد صاغية«نعيش أوقاتاً صعبة، لكنّها ليست نهاية العالم»... «بدلاً من مهاجمة بعضنا بعضاً، الأَوْلى بنا أن نقبل بواقع أنّ لدى كلّ فرد رأياً مختلفاً»... «هل بإمكاننا أن نفكّر عندما نكون خائفين؟»...
عشرات الآلاف من الأميركيّين ردّدوا هذه الشعارات في واشنطن خلال تجمُّع نُظّم تحت عنوان «التجمّع من أجل استعادة رشدنا»، في إشارة اعتراضيّة على مستوى الجدل السياسي في الولايات المتّحدة التي تستعدّ لخوض الانتخابات النصفيّة، ولمواجهة تنامي المحافظين المتشددين في حزب الشاي.
الطريف أنّ الدعوة إلى إضفاء بعض التعقّل على الحياة السياسيّة الأميركيّة جاءت من مقدّمَي البرنامجين السياسيّين الساخرين الأكثر شهرة، ستيف كولبرت وجون ستيوارت. وقد ارتدى الأخير سترة بألوان علم بلاده، مطالباً بإعلاء السياسة فوق الانقسامات. فالهدف من التجمّع، كما رأى القيّمون عليه، هو إعادة إعلان قدرة الأميركيّين على العيش معاً، والعمل معاً، بصرف النظر عن الاختلافات الأيديولوجيّة، إضافة إلى توبيخ السياسيّين ووسائل الإعلام التي تروّج للاستقطابات الحادّة.
والجدير بالذكر أنّ ستيوارت وكولبرت ليسا حياديّين بالمرّة، وتجمّعهما هو في جانب منه ردّ على تجمّع آخر نظّمه زميل لهما، لكن من قناة «فوكس» اليمينيّة المتطرّفة. لكنّ التوجّه السياسي الواضح لم يمنعهما من رؤية الهاوية التي تقود إليها الاستقطابات الآخذة في التوسّع في المجتمع الأميركي بعد الأزمة الماليّة.
التجمّع برمّته يصلح لنقله إلى ساحة رياض الصلح أو ساحة الشهداء في بيروت. فالدعوة الحقيقيّة الوحيدة التي تحمل معنى اليوم، هي الدعوة إلى استعادة رشدنا. ذلك أنّ أفلام الخيال العلميّ بدأت تطغى على المشهد اللبناني، من لقطة عناصر من لجنة التحقيق الدولية داخل عيادة طبّ نسائي في الضاحية الجنوبيّة، إلى اختيار التوقيت المناسب لخروج سعد الحريري من جلسة مجلس الوزراء واضعاً حدّاً للتصويت، إلى التجارب المخبريّة لاستنساخ 7 أيّار، فضلاً عن عناصر التشويق التي يقودها الفتى الخفيّ ـــــ عبد العزيز بن عبد اللّه ـــــ بين دمشق والرياض، حتّى بتنا نصدّق أنّنا كشعب مستعدّون للانقضاض بعضنا على بعض ما لم يتحقّق التوازن في معادلات سين ـــــ سين الكيميائيّة.
«نعم... نستطيع» كان شعار حملة أوباما الانتخابيّة الواعدة بالتغيير. و«نعم... نستطيع» كان شعار الفريقين المتصارعين في لبنان، إذ أطلق كلٌّ منهما وعوداً لا تنتهي عن التغيير. أتركوا الخيبات يجرجر بعضها بعضاً على مهل. لا حاجة إلى الضجيج. دعوا اللبنانيّين يستعيدوا رشدهم.