«أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس مرّوا على جسدي... أنا الأرضُ في جسدٍ لن تمرّوا»محمود درويش

يجسّد الفلسطينيون هذه الأيام ملاحم بطولية سيكتبها التاريخ وترويها القصص بعد تحرير القدس من الاحتلال الذي سيأتي ولو بعد حين. هُم هذا الشعب البطل كما تحكي عنه الروايات وكتب التاريخ والحقائق البطولية التي يثبتها أبناء فلسطين يوماً بعد يوم. هم أهل القضية وأهل الانتفاضة والثبات والمقاومة، بسكين وعربة وعصا وصاروخ، لا يكلون ولا يملون همّهم ووجهتهم تحرير أرضهم من احتلال غاشم ظالم.
هم مثل ما يقول عنهم شاعرهم محمود درويش «نحن الضحية التي جرّبت فيها كل أنواع القتل... حتى أحدث الأسلحة! لكننا الأعجوبة التي لا تموت ولا تستطيع أن تموت»، فالصلابة أساس بنيتهم والمقاومة صلب عقيدتهم، وما يقومون به من عمليات طعن ودهس وغيرها هو أقل حقوقهم حتى يحرروا ارضهم التي تكفل لهم تحريرها القوانين الدولية. فهم أيقنوا أن المقاومة هي أساس التحرر والخلاص من الاحتلال والقمع والإذلال، وتاريخ الحرية هو تاريخ المقاومة، لأن المقاومة تعتبر التحدي الرئيسي والحقيقي لكل محتل وغازٍ مغتصب للأرض وللحقوق.
ما يقومون به من
عمليات طعن ودهس
هو أقل حقوقهم

العمليات النوعية التي يقوم بها الفلسطينيون في القدس المحتلة وغيرها من المناطق، من طعن ودهس ضد الصهاينة، ما هي إلا تعبير عن الغضب الفلسطيني من جرائم الاحتلال، ومسعى حقيقي لطرد الصهاينة من فلسطين. هذه العمليات محقة ومشروعة في القانون الدولي، وتتولد نتيجة الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون من جهة، ومن جهة أخرى تأتي نتيجة تدنيس الإسرائيليين للقدس والعمل على تهويدها.
هذه العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون هي تحقيق لوسيلة المقاومة التي تحقق مبدأ تقرير المصير الذي نصت عليه الاتفاقيات والقرارات الدولية. اليوم، لا يمكن لأحد التقليل من حق الفلسطينيين في المقاومة للحصول على استقلالهم، ولا يمكن لأحد أن يحمّلهم مسؤولية ما يجري، لأنهم يمارسون حقاً شرعياً نتيجة وجود الاحتلال.

أولاً: حق المقاومة الفلسطينية في المواثيق الدولية

لقد أقر ميثاق الأمم المتحدة بحق المقاومة والكفاح المسلح ضد الاحتلال حتى التخلص منه، فليس من حق الصهاينة البقاء في الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس المحتلة. وهم بطبيعة الحال لن يحلموا بالهدوء والاستقرار طالما يحتلون فلسطين. وقد أكدت البنود الواردة في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة حق الشعوب في المقاومة ومواجهة أي عمل عدواني ضد الاقليم. لقد اعترفت اتفاقيات لاهاي (1899 و1907) بمشروعية المقاومة الوطنية ضد العدوان والاحتلال، حيث أكدت اتفاقية لاهاي لعام 1907 «على أن الشعب القائم في وجه العدو هو مجموعة المواطنين من سكان الأراضي المحتلة المهاجمة من قبل العدو، الذين حملوا السلاح وتقدموا لقتال العدو». وأعطت المقاومين حقوقهم عند الأسر والجرح. المادة الثانية من اتفاقية لاهاي لعام 1907، عرّفت الشعب القائم أو المنتفض في وجه العدو بأنه مجموعة المواطنين من سكان الأراضي المحتلة الذين يحملون السلاح ويتقدمون لقتال العدو، سواء أكان ذلك بأمر من حكومتهم أم بدافع من وطنيتهم أو واجبهم. إن الشعب المنتفض في وجه العدو، والذي يشكل حركات مقاومة شعبية منظمة هو شعب مناضل ومقاوم وقد أكد الفقه الدولي ذلك. وقد جاء في المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أن «لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها».

ثانياً: حق المقاومة في القرارات الدولية

لقد نوه بحق المقاومة العديد من القرارات الدولية أيضاً، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3101 الصادر في 12/12/1972 في الدورة الثامنة والعشرين، لتأكيد حق الشعوب الخاضعة لاحتلال بالتحرر منه بكافة الوسائل، والقرار 3103 عام 1973، لتثبيت المبادئ الأساسية للوضع القانوني لمواجهة الاستعمار والسيطرة الأجنبية والتمييز العنصري.
كذلك أصدرت الجمعية العامة القرار 1514 في 14/12/1960 الذي يعلن منح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة. ويعتبر مبدأ تقرير المصير جزءاً من الالتزامات التي يفرضها ميثاق الأمم المتحدة. كما أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العديد من قراراتها شرعية نضال الشعوب الرازحة تحت الاحتلال من أجل تقرير مصيرها.
وفي عام 1974 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3214 حول تعريف العدوان وحق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح من اجل نيل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير، وبالتالي أجازت حق جميع الشعوب في العالم بالمقاومة المسلحة للاحتلال في سبيل تحررها من الاحتلال. وقد أكدت لجنة حقوق الإنسان، مراراً، شرعية القتال ضد الاحتلال بكل الوسائل المتاحة ومن ضمنها الصراع المسلح.
هذا الحق مثبت وهو من سيوصل إلى تحرير القدس، لأن في فلسطين شرفاء يدافعون عن أرضهم. والعمليات البطولية التي ينفذها الفلسطينيون اليوم هي عمليات بطولية تؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يسكت عن حقه في التحرر، ولن يترك المحتل يعيث في أرضه فساداً، بل سيدفعه أثماناً باهظة، وهذا الشعب ينطلق من حقه في الانتفاضة ضد المحتل، ونقول كما قال محمود درويش: «قف على ناصية الحلم وقاتل».
* باحث لبناني