القاهرة | انعكست التفاهمات المصرية - التركية على الملفّ الليبي بشكل واضح، لا سيما أنها مرتبطة بتفاهمات أخرى حول عدّة ملفّات تنسجها أنقرة مع جيرانها الأوروبيين، وفي مقدّمها ليبيا، حيث أصبحت تركيا من الداعمين لمسار التوجّه نحو إجراء الانتخابات قريباً، في ما سيمثّل فرصة «ذهبية» أمام السياسيين الذين يواجهون «غضباً» متزايداً من جانب المبعوث الأممي، عبدالله باتيلي. وشهدت الأيام القليلة الماضية اجتماعات سريّة وعلنية، وأخرى عبر قنوات ذات صلة، استمرّت على مدى ساعات طويلة، بين القادة الأمنيين في الشرق والغرب الليبيَين، من أجل محاولة تجاوز النقاط الخلافيّة، وبما يضمن تحقيق معادلات مستقرّة لكلّ طرف، وعدم الإخلال بموازين القوى التي نتجت من الاشتباكات العسكرية المتوقّفة منذ ثلاث سنوات.وحتى الآن، ليست ثمّة نتائج ملموسة معلَنة للاجتماعات التي كان آخرها اللقاء الذي جمع أعضاء اللجنة العسكرية «5+5» (الزنتان)، في وقت انعقدت لقاءات أخرى بين قادة عسكريين، تناولت خصوصاً مسألة تسليح القوات وتوزيعها ومناطق سيطرة كلّ طرف وآليات المراقبة والضبط. ومن المتوقّع أن يكون لهذه التحرّكات المعلَنة، بحسب مصادر استخبارية مطّلعة على تفاصيل جزء كبير من المناقشات تحدّثت إلى «الأخبار»، انعكاس إيجابي قريب، بخاصّة في ظلّ حلحلة المشكلات الكبرى بشكل جزئي وتدريجي خلال الأيام الماضية، ووجود أطراف ضامنة لتنفيذ الاتفاقات وعدم الإخلال بها تحت أيّ ظرف.
تستهدف المناقشات توحيد القيادة الأمنية والعسكرية في غضون 6 أشهر على أقصى تقدير

ويُنظر إلى اللقاءات الجارية حالياً بترقّب شديد، لكوْن نتائجها ستحدِّد ما إذا كانت الانتخابات ستُجرى أم لا، علماً أن التحضيرات الفنيّة للعملية الانتخابية قائمة ومدعومة خارجيّاً بشكل كبير، بينما يبقى الجانب الأهمّ سرعة التنفيذ وعدم المماطلة، وهو أمر تنشط على خطّه الدول الإقليمية التي سبق لها أن عرقلت عمل اللجنة الوحيدة تقريباً التي تحظى بتوافق بين مختلف الأطراف الليبيين. ويتمحور جزء من المسارات التي يجري النقاش في شأنها راهناً، حول وضع الميليشيات وطريقة التعامل معها، وهو ما جرى التوافق على معالجته بحسب وضع كلّ ميليشيات ومموّليها والسلاح الذي في حوزتها، إضافة إلى الصلاحيات التي تتمتّع بها في الوقت الراهن. بمعنى آخر، سيتمّ التعامل مع المسألة بشكل جزئي وتدريجي، وبما يسمح باحتواء الجميع من دون إثارة غضب أيّ طرف، بخاصّة أن المناقشات تستهدف، في غضون 6 أشهر على أقصى تقدير، توحيد القيادة الأمنية والعسكرية. وترمي عملية دمج الميليشيات، في المقام الأول، إلى إعادة ضبط مسألة حمْل السلاح، في ظلّ وجود تعهّدات سرية بين الدول المعنيّة بالملفّ الليبي تضْمن عدم إرسال مزيد من السلاح، واللجوء إلى المفاوضات، وهو ما سيسهم في الحدّ حتى من الاشتباكات التي تنشب بين الحين والآخر.
كذلك، ثمّة جانب آخر مهمّ مرتبط بوعود بعدم محاسبة العسكريين على ما حدث في الفترة الماضية من اشتباكات وما أسفرت عنه من سقوط ضحايا. وإذ حُسِمت هذه المسألة بالفعل من خلال المفاوضات الإقليمية، فسيُسمح لبعض العسكريين، في حال رغبتهم في التقاعد، بخروج آمن من البلاد وضمان عدم محاسبتهم عن فترة الاقتتال الأهلي، كما سيُمنح البعض الآخر فرصة للارتقاء في القيادة الجديدة، بخاصّة القيادات الوسيطة التي حصلت على وعود بعدم الاستغناء عنها ودعم وجودها في المستقبل القريب وحلّ مشكلة تسلسل الرتب العسكرية. أمّا الأمر الإضافي المحسوم بشكل شبه كامل، فهو أن قيادة الجيش ستُسلَّم إلى الرئيس المنتخَب، بعدما جرى تجاوز الخلاف بهذا الشان، ليس فقط بسبب نفوذ اللواء المتقاعد خليفة حفتر (الذي أصرّ على الترتيب المُشار إليه) وقوّته العسكرية، ولكن لأن الأساس الذي ستجري عليه العملية الانتخابية سيسمح للجميع بخوضها بعد تجميد مناصبهم الحالية وليس التنازل عنها.