طرابلس | كسر خطاب اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، في الذكرى الـ71 للاستقلال، والذي أكد فيه وجود «فرصة أخيرة» لوضع خريطة طريق تُفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، حالة الجمود السياسي. ولكنه زاد، في الوقت ذاته، من حدّة الخلافات الداخلية، خصوصاً أن محسوبين على حفتر، كانوا قد سرّبوا، قبل كلمته، ما مفاده أن الأخير يتّجه إلى إعلان الحُكم الذاتي في إقليم برقة، وهي خطوة لم تحصل، وإنْ كان التسريب في ذاته فاقم التوتُّر. وعلى رغم أن حفتر هو الحاكم الفعلي لإقليم برقة، إلا أن الإعلان عن إدارته ذاتياً أو انفصاله عن ليبيا، سيمثّل ضربة موجعة لكافة محاولات الاحتواء السياسي الجارية، وللجهود الأممية التي تواجِه تعثُّراً واضحاً، في ظلّ غياب آليات الضغط على مختلف الأطراف المعنيين بالأزمة، والتنافس المحتدم على منصب الرئاسة بين مختلف السياسيين الموجودين على رأس السلطة، والذين قدّموا أوراق ترشُّحهم للانتخابات الرئاسية. في هذا الوقت، يسعى رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، إلى تحقيق بعض التوافقات، وسط تعويل أطراف دوليين عليه لإنجاح التفاوض، خصوصاً أن الرَجل لا يُبدي رغبة في الحصول على منصب، وهو ما من شأنه أن يسهم في تثمير جهوده.على أن بعض الأمور أصبحت محسومة، وخصوصاً التوافق على منْع سيف الإسلام القذافي من الترشُّح للرئاسة، باعتباره ملاحَقاً قضائياً، فيما اتُّفق معه على ضمان عدم إثارة غضب قبيلته من ناحية، وتقبُّله للوضع الجديد من ناحية أخرى. كذلك، تشمل التفاهمات التي يجري العمل عليها مع رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، عبد الحميد الدبيبة، ضمان عدم تحرُّكه عسكريّاً، في ظلّ سيطرة قواته على بعض المناطق في العاصمة طرابلس. وجرى التوافق أيضاً على استئناف اللقاءات بين رئيسَي البرلمان عقيلة صالح، و«المجلس الأعلى للدولة» خالد المشري، بعد تسوية الخلاف الذي اندلع بينهما على خلفية تعديلات قانون المحكمة الدستورية، والتي جرى التوصُّل إلى تعليقها مؤقتاً من أجل استئناف التشاور حول القاعدة الدستورية التي ستجرى بناءً عليها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
يعمل رئيس «المجلس الرئاسي» على إنجاز تسوية مقبولة من كافة الأطراف الليبيين


وعلى رغم سعْي الأمم المتحدة إلى توحيد الحكومة قبل إجراء الانتخابات، عبر عقْد تفاهمات بين رئيسَي حكومة «الوحدة» الدبيبة، و«الموازية» فتحي باشاغا، إلا أن المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، يرى أن هناك أزمةَ شرعية، وهو أمر يتطلّب مبادرات ديبلوماسية ثنائية ومتعدّدة الأطراف من أجل استعادة القائمين على السلطة الليبية شرعيتهم. وسيجري في مقبل الأيام، استئناف اجتماعات «اللجنة العسكرية المشتركة 5+5»، فيما تواجه عودة مباحثات «مجموعة العمل الاقتصادية المشتركة» في شأن أولويات الإنفاق وتوزيع الثروة، عقبات عدة، وسط اتهامات متبادلة بغياب الشفافية والمساواة في توزيع الثروة، وهو ما أصبح يشكّل أحد أسباب الاحتقان الرئيسة في كافة الاجتماعات المنعقدة.
ويراهن المنفي، ومن خلفه الأطراف العربية المعنية بالملف الليبي، على تعزيز دور اللجنة العسكرية «5+5» باعتبارها الركيزة الأساسية في الحوار وعدم الانجرار نحو أعمال العنف، إلى جانب ضغوط دول الجوار على الأطراف الليبيين من أجل التوصُّل إلى حلول، في وقت لا يُعوَّل كثيراً على دور الأمم المتحدة في التوصُّل إلى اتفاق. ويُجري المنفي اتصالات مع حفتر وداعميه في القاهرة وأبو ظبي، لدفعه إلى تأجيل أيّ خطوات منفردة، لا سيما في ظل هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار. ولا تزال خطة المنفي التي يعكف على التحضير لإعلانها خلال الأيام المقبلة، تحتاج إلى وضع اللمسات الأخيرة، فيما ستتضمن الخطّة القابلة للتعديل، تحقيق حدّ أدنى من التوافق والمطالب للأطراف كافة، مع ضمان حصانة من أيّ محاكمات والقدرة على الترشُّح للانتخابات الرئاسية، وهي بنود لن يقبل أيّ طرف بالتنازل عنها.