الجزائر | صادق مجلس الأمة، وهو الغرفة الثانية للبرلمان، وقَبْله المجلس الشعبي الوطني، على قانون الاحتياط العسكري، والذي سيكون قابلاً للتفعيل بمجرّد توقيع رئيس الجمهورية عليه وصدوره في الجريدة الرسمية. ويحدِّد القانون، الذي يُعرِّف الاحتياط ببقاء العسكري خاضعاً لالتزامات وظيفته، الفئات المعنيّة بذلك باثنتَين: العسكريون العاملون والمتعاقدون من كلّ الرتب والذين تمّ إنهاء خدمتهم بصفة نهائية وعادوا إلى الحياة المدنية بعد أن انتهت عقودهم الطوْعية مع الجيش من غيْر أن يجدّدوها؛ وعسكريّو الخدمة الوطنية من كلّ الرتب والذين أدّوا التزاماتهم لسنة واحدة وعادوا إلى الحياة المدنية. ويُسثتنى من الفئتَين المذكورتَين العسكريون الذين أُنهيت خدمتهم لسبب طبّي أو الذين كانوا محلّ شطب، فيما حُدِّدت مدّة الاحتياط بـ25 سنة ابتداءً من تاريخ إنهاء الخدمة. وجرى تحديد الحالات التي يُستدعى فيها الاحتياط، بما يلي: «في زمن السلْم في إطار التكوين والاعتناء بالاحتياط لفترات لا تتعدّى ثلاثين يوماً في السنة الأولى على الأكثر، وخلال التعبئة العامّة من أجل مواجهة تهديد يمكن أن يؤثّر على السلامة الترابية والسيادة الوطنية، وفي إطار التعبئة الجزئية من أجل مواجهة تهديد ذي خطورة محدودة في المكان والزمان».
تجربة «العشرية السوداء»
تاريخياً، لا يُعتبر مشروع القانون جديداً، بقدر ما يمثّل إعادة نظر في النصوص السارية المفعول والمؤطِّرة للاحتياط العسكري، وهي: الأمر رقم 76-110 المتضمِّن الواجبات العسكرية للمواطنين الجزائريين، والأمر رقم 76-111 المتضمِّن مهامّ الاحتياط وتنظيمه، والأمر رقم 76-112 والمتضمِّن القانون الأساسي لضبّاط الاحتياط، وهذه الأوامر جميعها مؤرَّخة بـ9 كانون الثاني 1996. وتمّ تطبيق الاحتياط خاصّة في تسعينيات القرن الماضي، إبّان الصراع الذي انطلق بفوز «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في الانتخابات، والذي تَقرّر على إثره إلغاء المسار الانتخابي، وسجن قياديين من الحزب ومساندين له، قبل أن يُغتال الرئيس الأسبق محمد بوضياف، ويندلع نزاع دموي استمرّ قرابة عشر سنوات واصطُلح على تسمية «العشرية السوداء». ولتعزيز خطوط «الجيش الوطني الشعبي» آنذاك، تمّ استدعاء مواطنين أنهوا الخدمة العسكرية والتحقوا بالحياة المدنية، وهؤلاء شكّلوا فيما بعد تنسيقيات وجمعيات من أجل المطالبة بحقوق مادّية ومعنوية ومهنية، حيث تعمل وزارة الدفاع على عقْد اجتماعات مع ممثّليهم بشكل دوري من أجل معالجة مطالبهم.

تحدّيات الجزائر
على رغم أن القانون ليس جديداً من حيث المضمون، إلّا أنه من حيث الشكل وبالنظر إلى السياق الذي جاء فيه، يُعتبر أشبه بإعلانِ مقنّع لـ«حالة طوارئ»، تكون الجزائر قد دخلتها رسمياً. وما يعزّز ذلك التوصيف جملة مؤشّرات على رأسها تقديم المشروع من قِبَل وزيرة العلاقات مع البرلمان، بسمة عزوار، الأربعاء الماضي، وقولها آنذاك إن «قانون الاحتياط العسكري يرمي إلى دعم صفوف الجيش الوطني الشعبي للتصدّي للتهديدات الداخلية والخارجية»، وإلى «إعادة تنظيم الطاقة الدفاعية للأمة ودعمها، باعتبار أن الاحتياطي العسكري مورد بشري هام بالنسبة غلى الجيش الوطني الشعبي». وسبق للجزائر أن كثّفت، خلال الأسابيع الماضية، رسائلها العسكرية، كما لو أن «طبول الحرب تقرَع على حدودها»، وهو ما اندرج في إطار الاستعراض العسكري بمناسبة إحياء الذكرى الستّين لاستقلال البلاد عن فرنسا (1962)، والذي عُرض فيه عتاد برّي وجوّي وبحري ثقيل.
برّرت الحكومة قانون الاحتياط العسكري بدعم الجيش لـ«التصدّي للتهديدات الداخلية والخارجية»


لكن ما هو التهديد الذي يحدق بالجزائر، ويدفعها إلى رفع التأهّب إلى أقصى درجاته؟ تَبرز هنا جملة تحدّيات تواجه البلاد، في مقدّمتها الأزمة المتجدّدة مع المغرب، حيث بلغ الصراع أشدّه بقطع العلاقات، واستمرار إغلاق الحدود البرّية منذ أزيد من ربع قرن، والتنافس على اقتناء أكبر العتاد وأثقله. وما زاد من حدّة الصراع، تحالف الرباط مع الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي اعتبرته الجزائر تهديداً مباشراً لحدودها، يضاف إلى النزاع القائم حول الصحراء الغربية التي يَعتبرها المغرب جزءاً من المملكة، فيما تعدّها الجزائر دولة مستقلّة. واللافت أن هذا التوتّر انتقلت عدواه إلى إسبانيا، التي تسبّبت مساندة رئيس وزرائها للمقاربة المغربية لقضية الصحراء، بتدهور العلاقات بينها وبين الجزائر إلى درجة غير مسبوقة. وعدا الجارة الغربية، فإن الوضع غير المستقرّ أمنياً في بقيّة المساحات الحدودية، وخاصة مع ليبيا، يُعتبر مصدر قلق دائم للجزائر. أمّا على المستوى العالمي، فلا يمكن للجزائرَ أن تنأى بنفسها عن الحرب الدائرة بين روسيا والغرب، والمواجهة المحتملة بين الأخير والصين؛ إذ على رغم التزامها إلى الآن عدم الانحياز إلى أيّ طرف، كما كان موقفها دائماً، إلّا أن تصاعد هذه الصراعات إلى مستويات أكثر خطورة قد يدفعها إلى مفارقة المربّع الذي ترزح فيه حالياً.
ويبقى الوضع الداخلي أقلّ خطورة؛ بالنظر إلى أن السلطة تمكّنت من عزل معارضيها والمناهضين لسياساتها، وإنهاء مسيرات الحراك الشعبي (الذي انطلق في 22 شباط 2019)، فضلاً عن تمكُّنها نسبياً من تضييق دائرة المعارضين من الناشطين في دول أوروبا، بعد استقدامها كلّاً مِن: محمد عبد الله، ومحمد بن حليمة، وسجنها آخرين، وتصنيف قسم ثالث في خانة «الإرهابيين».