الجزائر | تنفيذاً لتعليمات الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، المُوجَّهة إلى الحكومة، أمر وزير العدل، حافظ الأختام، بإعداد مشروع قانون خاص بمكافحة المضاربة، في أجل أقصاه تاريخ اجتماع مجلس الوزراء المقبل، تصل فيه «العقوبات لِمَن يتلاعب بقوت الجزائريين إلى 30 سنة، كون ذلك جريمة كاملة». كذلك، أمر تبون، في اجتماع الحكومة قبل أيام، بتشديد الرقابة الميدانية على المحالّ التجارية لمنع الزيادة غير المبرَّرة في أسعار المواد الغذائية، مع السحب النهائي للسجلّات التجارية للمتورّطين. وتتفق كلّ من السلطة من جهة، والنقابات والأحزاب المعارضة من جهة ثانية، على أن القدرة الشرائية للمواطن الجزائري انهارت أو تكاد. غير أن الطرفَين يختلفان في تشخيص الحلول المناسبة لتسوية الخلل، وخاصة أن هذا الملفّ الشائك لا يرتبط بزيادة الأجور أو خفض الأسعار فقط، وإنّما تتحكّم به عدّة عوامل سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية. فمن جهة السلطة، بدا جليّاً تركيز تبون، بدءاً من الحملة الانتخابية لرئاسيات 2019، على ملفّ القدرة الشرائية في إطار تعزيز «التنمية البشرية، وتحسين الإطار المعيشي الاجتماعي والاقتصادي للمواطن»، ومكافحة البطالة. وبعد انتخابه رئيساً، طبّق الرئيس الجزائري بعضاً من تلك الوعود، ومنها الإعفاء الضريبي التامّ للمداخيل التي تقلّ أو تساوي 30 ألف دينار، والتخفيضات التي طاولت لاحقاً باقي المداخيل التي تفوق 30 ألف دينار. وخلال عامين ونصف عام من حُكمه، جرى رفع الحدّ الأدنى للأجور من 18 ألفاً إلى 20 ألف دينار. وحاولت الحكومة، أيضاً، ممثَّلة في وزير التجارة وترقية الصادرات، كمال رزيق، محاربة «المضاربين»، الذين اتّهمتهم بأنهم المتسبّب الأوّل بارتفاع الأسعار، مستحدثة قانوناً يقضي بتسليط أقصى العقوبات عليهم، لكن الوضع لم يتغيّر بعدها.
اختلاف في العلاج
الأكيد أن القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، تدهورت بشكل ملموس خلال السنتَين الماضيتَين. ولولا ذلك، لما أعلن الرئيس، في حوار صحافي في 2 نيسان الماضي، عن إجراءات أخرى سيجري اتّخاذها لتحسين تلك القدرة، بما يعني أن القرارات السابقة لم تكن كافية. وقال تبون في اللقاء: «نعمل قدْر المستطاع، وبصفة تدريجية، من أجل رفع القدرة الشرائية للمواطن». وأضاف: «قبل نهاية السنة، ستكون هناك زيادة في الأجور وفي مِنحة البطالة، وسيُشرع في تطبيقها مع بداية شهر يناير (كانون الثاني) 2023». كذلك، أكد، في رسالة بمناسبة «يوم العمال العالمي»، أن «حماية القدرة الشرائية، والحفاظ على مناصب الشغل... ستبقى من بين الأولويات»، متابعاً أن السلطات تعمل «على رصد ما أمكن من موارد مالية لها، ولا سيما لصالحِ الطبقة المتوسّطة، وذوي الدخل المحدود، والفئات الهشّة».
من جهتها، تُنبّه النقابات العمالية والطبقة السياسية وحتى منظّمات حقوقية إلى خطورة وضع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، لكنّها تنتقد الحلول التي تأتي بها الحكومة، وتقول إن تأثيرها على المرتّبات لم يمتصّ الزيادات في الأسعار.
أمر تبون بتشديد الرقابة لمنع الزيادة غير المبرَّرة في أسعار المواد الغذائية


وفي هذا الإطار، تطرّق «حزب العدالة والتنمية»، في بيانه الصادر في آذار الماضي، إلى «الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي خلّفته سياسات الحكومات المتعاقبة وتعاملها العشوائي»، ما أدّى، بحسبه، إلى «انهيار قيمة العملة الوطنية، وتعطُّل عجلة التنمية، وزيادة في التضخُّم، وغلاء في المعيشة، وضعف في القدرة الشرائية». كما حذّر الحزب، في بيان آخر، من «التراجع عن المكتسبات الاجتماعية وتدنّي القدرة الشرائية»، معتبراً أن «إجراءات إرساء مِنحة البطالة الإقصائية والظرفية» ليست كافية. بدورها، أصدرت «كنفدرالية النقابات الجزائرية»، في شباط الفائت، بياناً تنتقد فيه الزيادات الضئيلة الناجمة عن خفض الضريبة على الدخل، لافتة إلى أن «التدهور غير المسبوق» في القدرة الشرائية «بلغ نسبة 60%»، مقترحةً إعادة النظر في سياسة الأجور «جملة وتفصيلاً... بما يحقّق العدالة في توزيع الثروة الوطنية»، و«إنشاء المرصد الوطني للقدرة الشرائية». كذلك، اتّحدت 29 نقابة في «تكتّل النقابات الجزائرية لقطاع الوظيفة العمومية»، والذي نظّم إضراباً وطنياً شاملاً في 26 و27 نيسان، على خلفيّة «عجز الحكومة عن ضبط الأسعار»، واكتفائها بـ«تعديل الشبكة الاستدلالية لمرتّبات الموظفين وتخفيض نسب الضريبة على الدخل»، مطالباً برفع النقطة الاستدلالية (تقنية لاحتساب الأجر) إلى 100، منبّهاً إلى «خطورة الوضعية الاجتماعية للموظفين وكلّ العمّال الجزائريين، والتي تنذر بانفجار الوضع وتهدّد السلم الاجتماعي».
هذه الجملة الأخيرة الواردة في بيان التكتّل، أثارت حساسية السلطة، التي يبدو أنها صارت تخشى من أيّ حركة احتجاجية، قد يجري تسييسها لتصير نافذة لعودة الحراك الشعبي. وعلى الرغم من اعتراف المسؤولين بأحقية العمّال في الدفاع عن القدرة الشرائية، إلّا أنهم حاولوا الوقوف في وجه هؤلاء، فكان أوّل ردّ على الدعوة إلى الإضراب، يومَي 26 و27 نيسان، على لسان وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي (الهيئة الوصيّة على منح الاعتمادات للنقابات العمّالية)، والتي اعتبرت أن «التنسيقية المسمّاة "النقابات الجزائرية لقطاع الوظيفة العمومية"، ليست منظّمة معترَفاً بها»، علماً أن النقابات الـ29 المكوِّنة لهذا التنظيم لم تودِع إشعاراً بالدخول في إضراب باسم «التنسيقية»، بل باسم كلّ تنظيم لوحده. كما أن الرئيس كان أكثر وضوحاً في رسالته المُوجَّهة إلى العمال، في الربط بين الإضراب وبين تسييس الحركات الاحتجاجية. وقال تبون إن «الدولة حريصة على الحوار الدائم مع الشركاء الاجتماعيين لضمان الشفافية والالتزام التامّ بالقوانين عندما يتعلّق الأمر باحتجاجات مطلبية»، معتبراً أن «النزاعات السياسية أفرغت العمل النقابي من روحه الحقيقية»، وردّ على الإضراب بالقول إن «كلّ المنظّمات النقابية المهنية للعمال مَدعوّة إلى إدراك حجم مسؤولياتها تجاه العاملات والعمّال والمؤسّسات، والدور المنوط بها لضمان الاستقرار الاجتماعي».