تونس | أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيد، انطلاق الحوار الوطني، وبدء المشاورات حول الإصلاحات السياسية والدستورية، وفي مقدّمتها تعديل الدستور وتنقيح النظام السياسي والقانون الانتخابي. وجاء إعلان سعيد هذا خلال لقائه وفداً من البرلمان الأوروبي، وهو ما شكّل مفاجأة للشارع التونسي، بالنظر إلى أنه لم تكن ثمّة مؤشّرات إلى قرب هكذا إعلان. وكان سعيد قد كشف، في كلمة ألقاها خلال زيارته ضريح الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، أنّ الحوار سيناقش مخرجات الاستشارة الوطنية الإلكترونية، وسينظر في نظام الاقتراع على الأفراد والنظام الرئاسي وتعديل الدستور. أمّا المشاركون فيه، فـ«لن يكونوا إلّا من الوطنيين الصادقين، بعيداً عن كلّ مَن ارتمى في أحضان الخارج»، بحسب سعيد. اللافت أن الرئيس اعتبر اللقاء الذي جمعه بـ«الاتحاد العام التونسي للشغل» و«الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» و«منظمة الأعراف» و«الهيئة الوطنية للمحامين»، جلسة أولى من جلسة الحوار، وهو ما عارضته أغلبية المنظّمات، التي بيّنت أن اللقاء كان تشاورياً. وشدّد أمين عام «اتحاد الشغل»، نور الدين الطبوبي، على ضرورة أن «لا يكون الحوار بشروط مسبقة، وأن يجمع الآراء المختلفة»، وهو ما يرفضه سعيد بوضوح، الأمر الذي يبنئ بأزمة قريبة بينه وبين الاتحاد. وأقرّ الطبوبي بوجود نواقص في النظامَين السياسي والانتخابي الحالي يجب تقويمها، و«لكن يجب أن يكون ذلك وفق قراءة نقدية إيجابية» بحسبه. وعلى رغم هذا الموقف النقدي الذي يبنّاه «اتحاد الشغل»، إلّا أنّ مراقبين يتّفقون على أنه سيشارك في النهاية في الحوار بالصيغة التي يقدّمها سعيد، وما تصريحاته الآن إلّا محاولة ضغط على الرئيس لمنح الاتحاد دوراً قيادياً في المرحلة المقبلة، سواءً في ما يتّصل بإدارة الحوار نفسه، ووضع الميثاق الذي سينبثق عنه، أو حتى الأسماء التي سيتمّ ترشيحها لعضوية اللجنة التي ستصيغ الإصلاحات الدستورية. من جهتها، اعتبرت نقابة المحامين أن الحوار قد انطلق فعلاً، وأنه لا حاجة إلى إعلانات مسبقة وبروتوكولات شكلية. وقال نقيب المحامين، إبراهيم بو دربالة، في تصريحات صحافية، إن الحوار لن يشمل النواب والأحزاب الذين شاركوا في جلسة «تقسيم الشرعيات» الشهر الماضي. وبناءً عليه، يتّضح أنّ قليلين هم مَن حجزوا مقاعدهم في حوار الرئيس، وهؤلاء عبارة عن بضع أحزاب غير وازنة في الشارع التونسي. أمّا حليف الرئيس الأساسي، حزب «حركة الشعب»، فقد تغيّرت مواقفه قليلاً، من المباركة التامّة لتوجّهات سعيد، إلى انتقاد سوء إدارة المرحلة، ولكنه مع ذلك، سيكون جزءاً من الحوار. وبخصوص بقيّة الأحزاب التي شكّلت جوهر منظومة ما قبل 25 تموز، فقد بحثت عن جميع وسائل الضغط حتى تفرض نفسها في معادلة الحوار، إلا أن سعيد يبدو رافضاً تماماً لوجودها.
يضغط «اتحاد الشغل» على سعيد ليكون له دور قيادي في المرحلة المقبلة


وعوّل رئيس البرلمان ورئيس حركة «النهضة»، راشد الغنوشي، على زيارة وفد من البرلمان الأوروبي لتونس، من أجل تصعيد الضغوط على سعيد، بعدما كان نواب، من بينهم رئيس كتلة «قلب تونس»، أسامة الخليفي، قد دعوا «الأوروبي» إلى التدخّل، فيما راسلت رئاسة مجلس النواب، نظيرتها الأوروبية و«الاتحاد الدولي البرلماني» للغرض نفسه. ولكن التباس الوضع في البلاد، واضطراب مصداقية الأطراف جميعها، يجعلان من الصعب ترقّب مواقف مِن مِثل تلك التي تتطلّع إليها «النهضة» وحلفاؤها. ولذا، اكتفى البرلمان الأوروبي بالدعوة إلى إنجاح الانتقال السياسي، متعهّداً بدعم تونس بمساعدات عاجلة. وأشار وفد البرلمان، في بيان عقب انتهاء زيارته أوّل من أمس، إلى أن «هناك حاجة ملحّة للإصلاحات، ونحن نشجّع عدداً كبيراً من المقترحات المنبثقة عن مختلف مكوّنات المجتمع التونسي في هذه العملية»، مضيفاً «أننا على استعداد للمشاركة في الجهود الشاملة والشفافة الرامية إلى تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية وتقديم المساعدة الفنية، بما في ذلك المساعدة في تقييم خيارات الإصلاح الانتخابي». وأحدثت هذه التصريحات صدمة لدى نوّاب المعارضة، كونها استبطنت رضى أوروبياً بالمسار الذي يقوده سعيد. وما زاد الطين بلّة بالنسبة إليهم، زيارة مستشار الرئيس الفرنسي، جيل كابال، تونس، ولقاؤه سعيد.