وصلت الخلافات بين الأطراف الليبيين إلى ذروتها، في ظلّ التخوّف من النظام السياسي الذي ستفرزه الانتخابات المقرّرة يوم الـ 24 من كانون الأوّل المقبل، فضلاً عن تواصل ظهور معوّقات أمام إجراء العملية الانتخابية. وعلى رغم الإخفاق في التوصّل إلى قاعدة دستورية تُجرى الانتخابات على أساسها، حسمت البعثة الأممية إلى ليبيا قرارها بعدم النظر في أيّ مقترحات أو تصوّرات يترتّب عليها إرجاء الاستحقاق. وهو قرار دفع عدداً من أعضاء «ملتقى الحوار السياسي» إلى توقيع بيان يتّهمون فيه البعثة بالانحياز، علماً بأن الخطوة الأممية جاءت مدفوعة برغبة أميركية ــــ أوروبية في متابعة المسار السياسي وفق الجدول الزمني المتّفق عليه، من دون أيّ تعديلات جوهرية، على أن تستكمل المناقشات في الجولة الجديدة من مفاوضات «ملتقى الحوار» بحلول نهاية الشهر الحالي، أو مطلع الشهر المقبل على أقصى تقدير.واتّهم عدد من أعضاء الملتقى، رئيس البعثة يان كوبيتش، بالمسؤولية المباشرة عن الارتباك الذي نتج ممّا وصفوه بـ»إضاعة الوقت من أطراف معروفي الأهداف والرؤى»، مع تغييب القاعدة الدستورية من النقاش، والتي يُفترض أن تكون أساساً للحوار. وكانت البعثة الأممية قد أعلنت، من جهتها، أن المناقشات التي جرت على مدار خمسة أيام لم تنجح في التوافق على القاعدة الدستورية، على رغم مناقشة اقتراح توافقي وضعته اللجنة الاستشارية استناداً إلى مقترح اللجنة القانونية، إلى جانب ثلاثة مقترحات أخرى جرى طرحها. وفي ضوء الإخفاق الأممي الذي لم يُغلق الباب أمام إجراء الانتخابات في موعدها، ستجرى مناقشات منفردة ومشاورات بشكل منفصل مع مسؤولي البعثة وأعضاء الملتقى، بهدف إعداد ثلاثة مقترحات للتصويت عليها بأغلبية الثلثين أو النصف زائداً واحداً. وهي المقترحات التي ستتمّ بلورتها في غضون الأيام المقبلة، في ظلّ غياب الحلول النهائية، حتى في ما يتعلّق بآلية اختيار الرئيس من قِبَل البرلمان، أو بالاقتراع المباشر من الشعب.
تتحدّث وسائل إعلام ليبيّة عن وساطة مصريّة بين حفتر والدبيبة والمنفي


غياب التوافق على القاعدة الدستورية لم يمنع المفوضية العليا للانتخابات من افتتاح المركز الإعلامي الخاص بها، والسماح بتسجيل البيانات للناخبين من أجل إدراج أسمائهم، في وقت تعهّد فيه رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، بالعمل من أجل توفير كل احتياجات المفوضية لإجراء الانتخابات في موعدها. الدبيبة الذي يُتّهم بالتخطيط للبقاء على رأس الحكومة لفترة أطول، مستفيداً من تعثّر المسار السياسي، تحدّث عن رغبته في تحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات، وحثّ جميع الأطراف على «تقديم تنازلات لتوفير بيئة مناسبة لإنجاح العملية الانتخابية وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية والقبلية». من جهته، يقود رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، تحرّكات عبر عدّة مسارات من أجل ضمان الالتزام بالموعد النهائي للانتخابات وعدم تعديله، على رغم وجود تحركات مضادة من قِبَل أعضاء في «المجلس الرئاسي»، في ظلّ غموض موقف كثيرين واتهامات تُساق ضدّ صالح بالعمل على تعزيز الانقسام، وخصوصاً بعدما عرقل البرلمان عدداً من القرارات المهمّة للحكومة الانتقالية. وبينما يلتزم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الصمت التامّ، تتحدّث وسائل إعلام ليبية عن وساطة مصرية بينه وبين الدبيبة ورئيس «المجلس الرئاسي» محمد المنفي، الذي التقى، أوّل من أمس، الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في جلسة مباحثات ثنائية في القاهرة، تناولت وضع حفتر ومسألة توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، وسط تشديد مصري على ضرورة تجنّب أيّ نقاط مثيرة للجدل في الوقت الحالي، والعمل على تسوية هذه الخلافات في أقرب فرصة من دون أن يكون لها تأثير على العملية الانتقالية.
ويبدو، حتى الآن، أن محاولات الاتفاق على القاعدة الدستورية ستبقى معقّدة للغاية، وخصوصاً في ظلّ التنافس الشديد المتوقَّع، بالإضافة إلى أن التأخير في الإعلان سيضمن المسار الأوحد المرغوب فيه، وهو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في اليوم نفسه، على أن يتمّ تقييد سلطة النظام المنتخَب، إلى حين صياعة دستور جديد ينتج نظاماً جديداً، لكن مقيّد الصلاحيات بدوره، في انتظار آخر يأتي بعده عقب كتابة دستور يفصل بين السلطات ويضمن مساواة بين الأقاليم الليبية الثلاثة، ويحدّد شكل وهوية الدولة التي تقترب من التحوّل إلى النموذج الفدرالي.