الجزائر | احترمت النتائج التي أعلنها رئيس «السلطة الوطنية للانتخابات»، محمد شرفي، نسبياً، الأرقام التي أعلنتها وسائل إعلام بعد يوم من انتهاء التصويت. وجاء حزب «جبهة التحرير الوطني» في المرتبة الأولى بـ105 مقاعد، يليه المستقلون الذين فازوا بـ78 مقعداً، فيما حازت المرتبة الثالثة «حركة مجتمع السلم» التي حصلت على 64 مقعداً. أمّا «التجمّع الوطني الديمقراطي»، وهو ثاني أكبر أحزاب الموالاة سابقاً، فحَلّ في المرتبة الخامسة بواقع 57 مقعداً. من جانبه، حصد حزب «المستقبل» 48 مقعداً، وهو حزب ينتمي إلى التيار الوطني، بينما فازت «حركة البناء» المحسوبة على الإسلاميين بـ40 مقعداً.وبدا أن الحزب الوحيد، المحتجّ على هذه النتائج، هو «حركة مجتمع السلم»، التي كانت التوقّعات تضعها في المرتبة الثانية، في حين تدحرجت بعد إعلان شرفي إلى المرتبة الثالثة. وتعتقد هذه الحركة، وهي أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد، أن «تجاوزات خطيرة» وقعت في عملية الفرز أدت إلى تضخيم كتلة المستقلين، على حسابها. وورد في تصريحات رئيسها عبد الرزاق مقري أن الحركة لم تتمكّن من الحصول على محاضر الفرز في العديد من البلديات والولايات، كما أنها حُرمت، بحسبه، من أن يكون لها مراقبون في كثير من المكاتب. لكنّ مقري تجنّب اتهام السلطات العليا بالوقوف وراء هذه «التجاوزات»، وقال إنه يعتقد أن «الرئيس تبون بريء تماماً من كلّ كذلك»، وأن «نيّته كانت صادقة في الحفاظ على شفافية الانتخابات».
وتشير قراءة سريعة في التوازنات الإيديولوجية العامة للغرفة الأولى للبرلمان الجزائري، إلى احتفاظ ما يُعرف بالتيار الوطني بالأغلبية، باحتساب مقاعد «جبهة التحرير» و»التجمع الوطني الديمقراطي» و»جبهة المستقبل»، وبقاء المرتبة الثانية لمصلحة الإسلاميين مُمثّلين بـ»حركة مجتمع السلم» و»البناء» و»جبهة العدالة والتنمية»، في حين يغيب كلّياً هذه المرّة اليسار والتيار الديمقراطي بعد مقاطعة أحزابه الفاعلة وفشل أحزاب أخرى مشاركة تتبنّى توجّهاً حداثياً، مثل «جيل جديد» و»التحالف الوطني الجمهوري»، في الحصول على مقاعد. أمّا من الناحية السياسية، فتَغيّرت التركيبة قليلاً، بعدم حصول «جبهة التحرير» على الأغلبية المطلقة كما جرت العادة في كلّ الانتخابات السابقة منذ عام 2002، وتضاعف الكتلة التي حصل عليها الإسلاميون، والتي بلغت 106 مقاعد، على الرغم من عدم تجانس أحزاب هذا التيار سياسياً.
ويُرتقب أن تظهر آلياً تحالفات في المرحلة المقبلة، ستُبنى أساساً على دعم الرئيس عبد المجيد تبون الذي لا ينتمي رسمياً إلى أيّ حزب، ولم يدعم أيّ طرف في هذه الانتخابات. ويشير الدستور الجزائري، في المادة 103 منه، إلى أن الحكومة يقودها وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية، ورئيس حكومة في حال كانت هناك أغلبية برلمانية. والفارق بين حالتَي وزير أول ورئيس حكومة، أن الأول يُطبّق برنامج رئيس الجمهورية، بينما الثاني ينفّذ برنامج الأغلبية البرلمانية. وفي الوضع الحالي، يقول خبراء دستوريون إننا لسنا في حالة أغلبية برلمانية، بدليل عدم حصول أيّ حزب أو تحالف على أكثر من 203 مقاعد، ما يعني أن الرئيس بإمكانه تعيين وزير أول، يقوم بتشكيل الحكومة ووضع مخطّط عملها الذي سيُعرض على البرلمان لنيل التزكية.
لا يُستبعد أن تُبقي السلطة «مجتمع السلم» في دور المعارضة لإظهار نوع من التوازن في البرلمان


ومن غير المستبعد أن يكون في صفّ الرئيس كلّ من أحزاب «جبهة التحرير» و»التجمّع الوطني الديمقراطي» و»جبهة المستقبل» و»حركة البناء»، عبر المشاركة في الحكومة المقبلة. وتحتفظ هذه الأحزاب، جميعاً، بعلاقات جيدة مع تبون، وكانت من الداعمين لمشروع تعديل الدستور، وتجنّبت خلال الحملة الانتخابية توجيه أيّ نقد إلى سياساته. وقد يكون الحزب الوحيد، من بين الكتل الكبيرة، الذي لا يزال الغموض يطبع موقفه، هو «حركة مجتمع السلم» التي أعلن رئيسها عبد الرزاق مقري أن حزبه لن يشارك في الحكومة إلّا بعد دراسة العرض الذي يأتيه، ومعرفة ما إذا كان ينسجم مع برنامجه. ولا يُستبعد في هذا الإطار أن تُبقي السلطة «حركة مجتمع السلم» في دور المعارضة، لإظهار نوع من التوازن في البرلمان، في ظلّ غياب المعارضة الراديكالية التي كانت مُمثّلة في السابق بأحزاب «جبهة القوى الاشتراكية» و»التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية».
وبعيداً عن التفاصيل القانونية التقنية، يواجه البرلمان الجديد أزمة شرعية، بفعل ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات التي كانت في حدود 23.03 بالمئة، وهي من أدنى النسب في تاريخ التشريعيات في الجزائر. وتختلف تفسيرات ضعف المشاركة، بين مَن يراها مقاطعة سياسية واعية من الجزائريين، ومَن يعتقد أنها استمرار لعزوف المواطنين ونفورهم من الفعل السياسي. أما السلطة فتُقدّم هذه النسبة على أنها دليل مصداقية العملية الانتخابية، والانتهاء من ممارسات العهد السابق في تضخيم النتائج، لكنّ المعارضين لتنظيم الانتخابات يرونها مؤشّراً إلى رفض المواطنين للمسار الجاري ككلّ، ما يعمّق من الهوّة الموجودة بين الشعب والسلطة، بحسبهم. ولم يصدر حتى الآن تعليق من الرئيس تبون أو الوزير الأول عبد العزيز جراد، وهو أمر متوقّع بالنظر إلى أن النتائج لا تزال أولية، وتنتظر اعتمادها رسمياً من قِبَل المجلس الدستوري.