لا يزال الخلاف المشتعِل داخل البرلمان التونسي بين النائبة عبير موسي، رئيسة «الحزب الدستوري الحرّ»، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، زعيم حركة «النهضة»، يتصدّر المشهد السياسي في البلاد، مُصعّداً الجدال بين مَن يتّهم «النهضة» بتحويل مجلس النوّاب إلى مؤسّسة تابعة لها، ومَن يرى في تحرُّكات «الدستوري الحرّ» استهدافاً للديموقراطية وخرقاً القانون، فيما يعتقد قسم ثالث أن الطرفَين يقودان البلاد نحو التعطيل السياسي والمؤسّساتي. وكان الغنوشي أصدر، قبل أيّام، قراراً بمنع موسي من حضور اجتماعات مكتب البرلمان (أعلى هيئة فيه) لتعطيلها أعماله، ومخالفتها النظام الداخلي عبر بثّ الأشغال مباشرة على صفحتها في «فيسبوك».في المقابل، تحدّثت موسي عن تعرُّضها للضرب والتعنيف داخل مبنى البرلمان، معتبرة أن ثمّة «انزلاقات خطيرة داخل المؤسّسة التشريعية» في ظلّ ما سمّته «سطوة الإخوان». وردّاً على منعها من دخول مكتب البرلمان وحضور جلسته العامة، قادت موسي مسيرة رافضة في صفاقس جنوبيّ البلاد للمطالبة بحلّ مجلس النواب، مُطالِبةً بفتح تحقيق في «تجاوُزات أعضاء حزب النهضة». وقالت: «نحن في معركة معهم، إمّا أن نكون أو لا نكون»، معتبرة أن الصمت في هذه المرحلة التاريخية «خيانة». وفي الاتجاه نفسه، ندّدت وجوه المعارضة بخطوة الغنوشي ضدّ موسي، مدرجةً إيّاها في سياق «عملية ممنهجة لإقصاء حزبها وإخراس صوت المعارضة»، متّهمة رئيس البرلمان بـ«تسييس الإدارة لصالحه».
ويوضح الباحث في الشؤون السياسية والكاتب الصحافي، أيمن الزمالي، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «القرار المُتخّذ من قِبَل مكتب البرلمان بمنع النائبة عبير موسي من الحضور لثلاث جلسات عامّة، هو قرار تقني»، لافتاً إلى أن «هذا المكتب له كامل الصلاحيات في اتخاذ قرارات ضدّ أيّ نائب أو عضو تجاوَز الحدود، وخرَق النظام الداخلي للبرلمان». وعزا الزمالي تواصُل تعطُّل أشغال البرلمان إلى «فشل» القيادة الحالية لهذه المؤسّسة الدستورية التشريعية التي تحظى بـ«أهمية كبرى، كون النظام السياسي التونسي هو نظام شبه برلماني»، معتبراً أن «الغنوشي يعمل تارة بصفته رئيساً للبرلمان، وتارة أخرى بصفته رئيساً لحركة النهضة». وأشار الزمالي، في الوقت نفسه، إلى «محاولات بعض الأطراف السياسية القيام بتجييش الشارع واستقطابه لصالحها عبر ممارستها الشعبوية السياسية لغايات مصلحية خاصة بها، والقيام بحملات انتخابية مبكرة لن تفيد البلاد بتاتاً»، متسائلاً، في هذا الإطار، عن «عدم رؤية النائبة عبير موسي تقف في أيّ احتجاج أو معركة حول حقوق الإنسان والحرّيات أو الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن التونسي، والأمر نفسه حيال نواب عديدين من ائتلاف الكرامة وحركة النهضة».
يعتقد البعض أن «النهضة» و«الدستوري الحرّ» يقودان البلاد نحو التعطيل السياسي والمؤسّساتي


من جانبه، يرى أيمن البريكي، وهو باحث متخصّص في العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن ما يحدث في البرلمان من صراع بين ممثّلي «الدستوري الحرّ» و«النهضة» مردّه «حرص الطرفين على خلق صورة استقطاب ثنائي ولو بالقوة والاستعراض»، معتبراً أن «الطرفين سيكونان خاسرَين خارج هذا الاستقطاب، بالنظر إلى إمكانية تكوُّن قوى سياسية جديدة». وأشار البريكي إلى أن «النائبة عبير موسي تقوم بنوع من الاستعراض القائم على الاستفزاز، فيما يقوم المعارضون لها بردّ الفعل، الذي يكون أحياناً قائماً على شخصنة واحتقار للعنصر النسوي، أو قد يصل إلى العنف». ويلفت إلى أن هذا الصراع «لا يدخل بتاتاً في خانة اهتمامات الشارع التونسي الذي يعيش وضعاً اقتصادياً ومعيشياً صعباً في الفترة الراهنة»، مضيفاً أن «تونس والمنطقة على شفا هاوية مخاطر وتحوُّلات دولية كبرى، في الوقت الذي تُعوّل فيه بعض الجهات الخارجية على نخبة سياسية فشلت في إدارة أزمة داخلية ممتدّة لسنوات، عبر تقديم الدعم الإعلامي والسياسي واللوجستي أحياناً لها».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا