الجيش لن يتحوّل إلى وكيل لقوى أجنبية الاعتراف بـ«التمازيغت» يستهدف هوية الجزائر وانتماءها

في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، سيُستفتى الجزائريون حول مشروع الدستور الجديد، في ظلّ دعوات سياسية واجتماعية إلى مقاطعة هذه العملية. محند بيري، أستاذ الفلسفة، ومساعد أحمد محساس، أحد القادة التاريخيين للثورة الجزائرية خلال تسعينيات القرن الماضي، يتحدّث في مقابلة مع «الأخبار» عن المكوّنات المختلفة للجبهة المعارضة للاستفتاء، والنقاط الأكثر إثارة للجدل في المشروع المقترَح

مَن هي القوى الداعية إلى مقاطعة الاستفتاء؟ وما هو حجم تمثيلها؟
في الواقع، هذه الأطراف مؤتلفة في إطار ما يُسمّى «قوى عقد البديل الديمقراطي»، التي تحضّ على مقاطعة الاستفتاء. يضمّ هذا الائتلاف «التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية»، والتنظيمات التروتسكية كـ«حزب العمال» و«حزب العمال الاشتراكي» و«الاتحاد من أجل التغيير والتقدم» وشبكة من الجمعيات المرتبطة بـ«جبهة القوى الاشتراكية»، وفي مقدّمتها «رابطة حقوق الإنسان» و«تجمّع العمل الشبابي». غالبية هذه القوى فرانكوفونية، ومتجذّرة أساساً في منطقة القبائل والجزائر العاصمة وفي بلاد المهجر، وتعتمد في سعيها للهيمنة على مجموعة من اللوبيات المؤثرة داخل مؤسسات الدولة وقطاع من أوساط الأعمال ووسائل الإعلام، الفرانكوفونية بشكل خاص. هي تتحرّك كـ«أقلّية فاعلة»، فتُحاول التعويض عن هزال قاعدتها الشعبية بميزات «نوعية» تُوفّرها الأيديولوجيا والتحالفات الداخلية والخارجية وقدرتها على «الإيذاء» نتيجة استغلالها لورقة التامازيغت. هي تحاول، عبر التشجيع على المقاطعة، أن تُوظِّف لمصلحتها معدّلات العزوف عن التصويت، والتي ستكون مرتفعة، نتيجة جائحة «كورونا» وامتناع سكّان المنطقة الوسطى في البلاد، خاصة منطقة القبائل، عن المشاركة. أخيراً وليس آخراً، ستسعى هذه القوى للاستفادة من التشوّش في أوساط الرأي العام، والناجم عن معارضة تيارات إسلامية وحتى وطنية لمشروع الدستور الجديد، كـ«حركة المجتمع الإسلامي» و«جمعية العلماء» التي رأت أن المشروع «استئصالي وعلماني بالمعنى الفرنسي، وحامل في طياته لبذور الفتنة لأنه يساوي بين اللغة العربية وأخرى مصطنعة كالتمازيغت».

أنصار المقاطعة يعتبرون أن تعزيز سلطة الرئيس بموجب مشروع الدستور الجديد سيزيد من الطابع الاستبدادي للنظام، ما هو رأيكم؟
المخاطر الفعلية أو المفترضة للنظام الرئاسي لا تتأتّى أساساً من طبيعة الدستور، بل هي تتناسب مع مدى قدرة المجتمع على مقاومة محاولات مصادرة مؤسسات الدولة، بدءاً من رئاسة الجمهورية. يبدو أن هذه المسألة أُخذت في الاعتبار في الدستور الجديد، الذي يتضمّن المبدأ الناظم لإنشاء الأحزاب والجمعيات والصحف ولتنظيم التجمعّات والتظاهرات. القضاء وحده سيكون مخوّلاً حلّ جمعية ما أو منع صحيفة من الصدور. إضافة إلى ذلك، فإن المادة 143 من الدستور أدخلت تمييزاً واضحاً بين مؤسسة الرئاسة، التي تمثّل الدولة، والحكومة الممثِّلة للسلطة التنفيذية، ما يفسح المجال للتداول على السلطة، أو على الأقلّ لتشكيل حكومات غير موالية للمعسكر الرئاسي.

ما هو تحليلكم للاستعداد الوارد في مشروع الدستور للتدخل عسكرياً خارج البلاد؟ وهل ستَتغيّر عقيدة الجيش حيال هذا الأمر؟
أنا أعتقد أن احتمال تحوّل جيشنا إلى طرف وكيل لقوى أجنبية، وأن يتورّط في صراعات مديدة وصعبة لحسابها، ضعيف جدّاً. بداية، أيّ تدخل خارجي سيتمّ في إطار الاتفاق الثنائي بيننا وبين البلد الذي سيجري فيه مثل هذا التدخل. ينبغي ألّا ينتهك أيّ تدخل أحد أبرز ثوابت الدبلوماسية الجزائرية، وهو احترام سيادة الدول واستقلالها. عطفاً على ذلك، فإن الجيش الجزائري الملتزم بمبدأ الحلّ السلمي للنزاعات لن ينحاز إلى أيّ من أفرقاء هذه الأخيرة. لقد أَسّست الجزائر «وكالة التعاون الدولي للتضامن والتنمية» بهدف تطوير العلاقات البينية بين بلدان القارة وتجنّب النزاعات في جوارها.
المشاركة في التدخلات الخارجية ستسمح للجيش بتنمية رصيده المعنوي في البلدان الأفريقية، خاصة في منطقة الساحل، وحماية حدود البلاد من إمكانية قيام قوى خارجية باستخدام مرتزقة لتهديد منطقة الصحراء الغنية بالثروات، والتي تُسيل لعاب الكثيرين. دول منطقة الساحل تريد وجوداً جزائرياً أكبر، ولا بدّ من الإشارة إلى أن التوترات والاضطرابات التي تشهدها أدت إلى رحيل العديد من الشركات الجزائرية العاملة في مجالَي الطاقة والمناجم.

ما هو موقفكم من المادة المتعلّقة بالاعتراف بالتمازيغت كلغة وطنية ورسمية؟
هذه المادة مُحيّرة، وخاصة أنها مرفوضة من غالبية ساحقة من الجزائريين. التمازيغت غير مستخدَمة كلغة إلا في أوساط أكاديمية مجهرية. بكلام آخر، كيف يمكن اعتبار لغة لا تتحدّثها سوى أقلّية صغيرة من الجزائريين لغة وطنية ورسمية؟ عند اندلاع الثورة الجزائرية، نصّ إعلان الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للبلاد. المادة الخاصة بالتمازيغت في مشروع الدستور الجديد هي أداة بيد دوائر معادية لتعميم استخدام اللغة العربية لا أكثر. المستهدَف من خلال هذه المادة هو هوية الجزائر وانتماؤها للحضارة العربية - الإسلامية.

الخبير الجزائريّ

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا