بعد أن أعلن إقصاءه من المشاورات الحكومية في أول خطاب بعد تكليفه، التقى إلياس الفخفاخ، أمس، وفداً من حزب «قلب تونس»، ضمّ زعيمه، رجل الإعلام المثير للجدل نبيل القروي. وجاء هذا الاجتماع الرسمي عقب يوم من جلسة نظّمها رئيس حركة «النهضة»، راشد الغنوشي، في منزله جمعت بين الرجلين. عقب اللقاء، امتنع الفخفاخ عن الإدلاء بتصريحات حول فحوى النقاشات، واكتفى بالقول إنه سيخرج في الإعلام قريباً لتوضيح صورة ما يحدث. ويبدو الرجل واقعاً تحت ضغط «النهضة»، التي اشترطت توسيع المشاورات الحكومية لتشمل «قلب تونس» للمضيّ قُدُماً في المفاوضات. وبينما علّلت الحركة موقفها بالحرص على توسيع الحزام السياسي للحكومة المقبلة داخل البرلمان، يبدو أن للأمر بعداً آخر، يتعلق بالخصوص بالغنوشي الذي يسعى لأن يكون «مهندس» المشهد السياسي. في واقع الأمر، لعب الغنوشي أدواراً مهمة في الساحة السياسية منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي، لكنه لم يكن الفاعل الأبرز. خلال أعوام رئاسة الباجي قائد السبسي، أدّى دور الرجل الثاني، على رغم أن حزبه كان الأكبر في البلاد بعد تشرذم حركة «نداء تونس». أما آخر الوجوه البارزة التي زاحمته، فكان رفيقه عبد الفتاح مورو، الذي تلقّى هزيمة في الانتخابات الرئاسية السابقة تقاعد عقبها من المشهد. تصاعدت رغبة الغنوشي في السلطة والاعتراف بعيد سقوط نظام بن علي. ففي البداية، أدلى بأكثر من تصريح عبّر فيه عن تعفّفه عن المناصب، ورغبته في التقاعد والتفرّغ للعبادة وحياته الشخصية. لكنه واصل بعد عودته إلى تونس تزعّم «النهضة»، وكرّر الأمر في ولاية إضافية قبل أن ترفض أغلب قيادات الحركة إبقاء باب الترشّح لرئاستها مفتوحاً مدى الحياة، واضعةً سقفاً بولايتين، ما عنى أنه لا يمكنه الترشح مرة أخرى. لكنه لم يستسلم. مع وفاة الباجي قائد السبسي واقتراب الانتخابات التشريعية، أعلنت الحركة ترشيح الغنوشي على رأس إحدى قوائمها. وعلى رغم النفي الرسمي حينها، بدا واضحاً أن الهدف النهائي هو إيصاله إلى رئاسة البرلمان، في انتخابات مضمونة النتائج تضمن ألّا تمسّ هيبة «الشيخ». وفي ظلّ محاولات بعض الكتل التي كانت تتودّد إليها «النهضة» عقد مساومات، قررت الحركة التحالف مع مَن يرغب في ذلك لتحقيق غرضها، فجرى أول تحالف أمر واقع مع «قلب تونس»، على رغم كلّ التهم والأوصاف التي تبادلاها خلال الحملة للتشريعيات.
يسعى القروي إلى تحصين نفسه من مخاطر تشكّل تحالف حكم ضدّه


وبعد اختلاف حين التصويت على حكومة حبيب الجملي أدى إلى رفض منحها الثقة في البرلمان، عاد التقارب بين «النهضة» و«قلب تونس» في الفترة الأخيرة. ويبدو الأمر هذه المرة أيضاً تحالف أمر واقع، يقع بمقتضاه تبادل مصالح. يسعى القروي إلى تحصين نفسه من مخاطر تشكّل تحالف حكم يشمل خصمه، رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد، الذي خاض معه صراعاً مريراً، ومكوّنات أخرى تعتبر وجوده ظاهرة غير صحية في الساحة السياسية. أما الغنوشي فيريد أن يفرض سيطرته على مجريات الأمور، بداية عبر إخضاع رئيس الحكومة المكلف، وإقصاء أحزاب تُوجّه سهام النقد لحركته باستمرار، وتتوعّد بفتح ملفات فساد تخصّها في حال تسلّمت مقاليد وزارات. تصريحات قيادات «قلب تونس» في اليومين الأخيرين تصبّ في هذا الاتجاه، حيث اعتبر القيادي عياض اللومي مثلاً أن تنظيم الغنوشي لقاءً بين الفخفاخ والقروي «دور لا يلعبه إلا رجل حكيم»، واصفاً الأول بأنه صار «كبير العائلة بعد وفاة قائد السبسي». أما أسامة الخليفي، الذي قاد حملة القروي في الانتخابات الرئاسية، فقال إنه «لا توجد صفقة بين حركة النهضة وقلب تونس، بل يوجد فقط زعيمان هما راشد الغنوشي ونبيل القروي». لا يعني ذلك طبعاً حسم الأمور، إذ تضاربت أمس تصريحات قياديّي «قلب تونس». فمن ناحية، رأى الخليفي أن اللقاء «تصحيح لمسار خاطئ»، في حين أشار القروي إلى أنه أعلم الفخفاخ بأن توجّهه الحالي في تشكيل الحكومة «لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة»، مضيفاً أن المكوّنات التي تشارك في المفاوضات هي نفسها التي أراد الجملي تجميعها.