الجزائر | لم يكن أحد في الجزائر يتوقع المصير الذي آل إليه رموز حكم فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهم الذين كانوا مرشحين في السابق لخلافته في قصر الرئاسة. وصدر، أمس، حكم مشدّد بـ15 سنة سجناً نافذاً ضدّ أحمد أويحيى، أحد أبرز السياسيين الجزائريين على مدار العشرين سنة الماضية، بعد إدانته بتهم ثقيلة تتعلّق بمنح امتيازات غير مبرّرة، وإساءة استغلال الوظيفة، وتلقي الرشوة، وتعارض المصالح، والتصريح الكاذب بالممتلكات على خلفية اكتشاف حركة أموال تُقدّر بـ2.5 مليون دولار في أحد حساباته. وعلى الرغم من أن هذا الحكم كان متوقّعاً، إلا أن وقع الصدمة جاء كبيراً على أويحيى الذي ظهر في المحكمة شاحب الوجه ومتأثراً بالمصير الذي لَقِيه. وعُرف أويحيى بأنه أخلص رجالات النظام في الجزائر، فقد عمل مع الرئيسين إليامين زروال وعبد العزيز بوتفليقة، وكان مدافعاً شرساً عن سياسات الحكومة ضدّ انتقادات المعارضة. ولم تكن إدارته للمسؤولية تحظى بالشعبية نظراً إلى قسوة القرارات التي اتخذها. كذلك، حكم القاضي على عبد المالك سلال، الوزير الأول السابق (من 2012 إلى 2017)، بـ12 سنة سجناً نافذاً، بعد إدانته بالتهم السابقة نفسها، وتهمة إضافية تتعلق بالتمويل غير المشروع للحملة الانتخابية للرئيس السابق. وكان سلال مديراً لحملة الرئيس بوتفليقة في رئاسيات 18 نيسان/ أبريل الماضي، والتي تم إلغاؤها بعد تظاهرات الحراك الشعبي. وفي كلمته الأخيرة، أجهش سلال بالبكاء، وتوسّل القاضي ألّا يتركه يقضي أيامه الأخيرة في السجن، ودافع عن براءته بالقول إنه يفضّل أن يموت على أن يصفه الناس بالفاسد. لكن ملف سلال كان ثقيلاً، بعدما ثبت أن ابنه الموجود معه في السجن دخل بنسبة %23 في مجمع أحمد معزوز، الذي يُعدّ من كبار رجال الأعمال أو بالأحرى الأثرياء الجدد في البلاد، من دون أيّ مساهمة مالية، مستغلاً نفوذ أبيه ومركزه فقط. وجاءت الأحكام شديدة أيضاً على وزراء الصناعة السابقين، عبد السلام بوشوارب (هارب في فرنسا) المحكوم عليه غيابياً بـ20 سنة سجناً، ويوسف يوسفي المدان بـ10 سنوات سجناً نافذاً، ومحجوب بدة الذي نال الحكم الأخير نفسه. والوزير الوحيد الذي حكم القاضي ببراءته هو عبد الغني زعلان، الذي تَسلّم مديرية حملة الرئيس السابق قبل أيام من استقالته. أما رجال الأعمال فقد نالتهم أحكام مخففة نسبياً بالسجن ما بين 3 و7 سنوات، فضلاً عن تعويضات تصل إلى 20 مليون دولار للمتضرّرين منهم.
وعلى الرغم من خطورة الوقائع التي كشفتها هذه المحاكمة، والتي تسبّبت وفق التحقيق بتكبيد خزينة الدولة خسائر بحوالى 90 مليار دولار، إلا أن برمجتها في هذا التوقيت أثارت علامات استفهام كبيرة، خاصة لناحية تزامنها مع الانتخابات الرئاسية التي يرفض تنظيمها قطاع واسع من الجزائريين. وفي هذا الإطار، رأت بعض التحليلات أن توقيت المحاكمة سياسي بامتياز، وأن الهدف منها دفع الجزائريين إلى التصويت من خلال إقناعهم بجدّية السلطة في محاربة الفساد ومحاسبة رموز النظام. وما يعزز ذلك التقدير، وفق هؤلاء، هو السماح بتجاوز حتى بعض الموانع القانونية مثل تصوير المحاكمة. وذهبت بعض أحزاب المعارضة، من جهتها، إلى أن ما يجري هو مجرّد تصفية حسابات؛ إذ لا يعقل، بحسب علي العسكري القيادي في حزب «جبهة القوى الاشتراكية»، تنظيم محاكمة عادلة في غياب استقلالية القضاء.
بدورهم، قاطع معظم محامي دفاع المتهمين المحاكمة احتجاجاً على عدم توفر الشروط العادلة، بحسبهم. واعتبر المحامون توقيت المحاكمة غير مناسب، ومُعدّاً لإصدار الأحكام قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها غداً. كما احتجّ المحامون، تحديداً، على عدم اختصاص المحاكم العادية في محاكمة رئيس الحكومة، لكون ذلك مخالفاً للدستور الذي ينص في المادة 177 منه على أن كلّ مَن شغل منصب رئيس الجمهورية أو الوزير الأول تتمّ محاكمته في محكمة خاصة تُسمى المحكمة العليا للدولة، والتي لم يجرِ تنصيبها على رغم النصّ عليها في الدستور. وهناك من طالب حتى بإحضار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، كون المسؤولين المتهمين كانوا ينشطون تحت أوامره. لكن القاضي، ومن أجل إضفاء مصداقية على المحاكمة، اكتفى باستدعاء شقيق الرئيس السابق الذي يواجه حكماً بالسجن في قضية التآمر على الجيش، والذي رفض الإدلاء بأيّ تصريح أمام القاضي. وقرّر المحامون، فور النطق بالأحكام، الاستئناف لإعادة المحاكمة من جديد في ظروف أخرى.