المطالب الشعبية الكبرى تحققت وما تبقى على عاتق الرئيس المقبل التجربة المؤلمة للبنانيين ستساعدهم على تجاوز أيّ اختلال

لم يكن أحد في الجزائر يتوقع ترشّح وزير الثقافة السابق، عز الدين ميهوبي، للانتخابات الرئاسية. لكن هذا السياسي الجزائري بات اليوم من بين أكثر الأسماء التي تملك حظوظاً في الوصول إلى المنصب، خصوصاً بعد تلقيه دعماً من حزب «جبهة التحرير الوطني» الذي - على رغم تراجع حضوره السياسي - لا يزال يملك خزّاناً من المنتخبين القادرين على ترجيح الكفة، في ظلّ احتمالات المقاطعة الواسعة للانتخابات بسبب موقف الحراك الشعبي الرافض لها. ويتبنى ميهوبي، الذي يُعرف بأنه شاعر وأديب، خطّاً سياسياً وطنياً، يُحافظ على التقاليد التي سارت عليها الدولة الجزائرية منذ الاستقلال في ما يخص الجانب الاجتماعي والسياسة الخارجية، إلا أن وقوفه مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قد يُضعف من قدرته - في حال أصبح رئيساً - على فتح نقاش سياسي مع شباب الحراك والجهات السياسية الرافضة للانتخابات. ويقول ميهوبي، في ردّه على ذلك، إنه لا يشعر أبداً بأن ماضيه يكبّله، إذ لا يوجد ما يدين عمله في كلّ المسؤوليات السابقة التي تقلّدها.

ارتفعت أسهم عز الدين ميهوبي في الأسابيع الأخيرة، وأصبح أحد المرشّحين الذين يضعهم متابعو الانتخابات ضمن دائرة الأوفر حظاً للفوز. ما الذي قلب المعادلة في رأيك؟
لقد التزمْتُ في البداية، ومنذ أن أعلنْتُ ترشّحي، بأن أخاطب وعي المواطن وأحترم ذكاءه، معتمداً على الصدق والقراءة الواعية والمسؤولة للمشهد السياسي والاجتماعي بالخصوص. والتزمْتُ أيضاً بالرفع من مستوى النقاش السياسي حتى نعطي أملاً للمواطن بأن هناك نخبة من الكفاءات الوطنية النظيفة التي يمكن أن تصنع الفارق. كذلك، التزمْتُ بأن أقدّم حملة انتخابية نظيفة ومثالية. الآن، وقد انتهت الحملة الانتخابية، يمكن للمواطن أن يقف على هذه الالتزامات التي قدّمتها قبل بداية الحملة، ليتأكد أننا نفّذناها كاملة من دون خطأ، وهذا ما سيجعل المواطن يثق بقدرتنا على تنفيذ الالتزامات الأخرى بعد 12 ديسمبر (كانون الأول).
ننتظر من كلّ الأحزاب أن تقدّم نخبها وكفاءاتها المعرفية والفكرية والسياسية


يثير دعم حزب «جبهة التحرير» لكم جدلاً كبيراً، لناحية أن هذا الحزب تعوّد تلقي إيعاز القوى المسيطرة على السلطة قبل اتخاذ هذا النوع من القرارات الكبرى. ما هو تعليقكم على ذلك؟
نتقاطع مع «جبهة التحرير الوطني» في نقاط كثيرة، لا سيما في ما يخصّ المشروع الوطني الذي دعوْتُ كلّ الأطراف السياسيين الذين يؤمنون به إلى أن تتكاتف جهودهم للعودة إلى الدولة الوطنية وبيان الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1954. بالنسبة إلى خياراتهم، فهم أسياد أنفسهم، وأحرار في اختيار المترشّح الذي يقنعهم برنامجه. أنا أرحّب بالجميع... لكننا ننتظر من كلّ الأحزاب أن تقدّم نخبها وكفاءاتها المعرفية والفكرية والسياسية في المرحلة المقبلة.

ألا تعتقدون أن ماضيكم كوزير في حكومات بوتفليقة سيصعّب من مهمتكم كرئيس يحظى بثقة كلّ الجزائريين؟
المسؤولية في الدولة الجزائرية ليست تهمة أبداً، ولن تشكّل بالنسبة إلي أيّ صعوبة. على العكس تماماً، حافظنا على نظافة اليد وخدمنا البلد بكلّ صدق من مختلف المواقع والمسؤوليات، سواء قبل العهدة الأولى للرئيس السابق أو معه، وهناك المئات من الإطارات الجزائرية التي لها الفضل في الحفاظ على نظافة صفة (رجل الدولة)، وأنا أعرف العشرات من الإطارات والكفاءات الشرفاء الأوفياء.

هل ستصدرون في حال فوزكم بعد الانتخابات عفواً عن السجناء الذين اعتُقلوا بسبب آرائهم السياسية باعتبار ذلك من صلاحياتكم؟
هناك محبوسون في قضايا فساد، وقضايا أخرى هي من إفرازات الحراك الشعبي تأخذ لبوساً مختلفاً، والعدالة تعالج كلّ هذه القضايا.

نتقاطع مع «جبهة التحرير» في نقاط كثيرة لا سيما في ما يخصّ المشروع الوطني


تجري حالياً محاكمة الأمين العام لحزبكم أحمد أويحيى، وقد اعترف بامتلاكه مبالغ ضخمة غير مصرّح عنها. ما هو وقع هذه الاعترافات عليكم داخل الحزب؟
«التجمع الوطني الديمقراطي» لا يمكن اختزاله في شخص واحد، ومن الظلم أن نحكم على حزب كامل من خلال شخص واحد، سواء كان مناضلاً أم قيادياً. حزبنا هو عشرات الآلاف من الكوادر والمناضلين.

لا يزال الحراك الشعبي مصرّاً على رفض الانتخابات، هل تخشون من حدوث انزلاقات بفعل هذا الاحتقان؟
المطالب الكبرى تمّ تنفيذها في انتظار تنفيذ المادة 8 من الدستور الجزائري التي تقضي بأن الشعب يمارس سيادته من خلال الانتخابات. ما تبقّى من مطالب سياسية وثقافية واجتماعية سيتحقّق مع الرئيس القادم.

ما رؤيتكم لعلاقة مؤسسة الرئاسة مع المؤسسة العسكرية؟ وما هي الضوابط التي ستحتكمون إليها في هذا الشأن؟
كلّ مؤسسات الدولة الجزائرية تحتكم في ما بينها إلى الدستور الذي هو القانون الأسمى للبلاد. وكما ذكرت في برنامجي الانتخابي الذي عرضتْهُ على الجزائريين، فإني سألتزم بأن تكون سياسة الدفاع الوطني في خدمة المحافظة على الاستقلال والسيادة الوطنية ووحدة التراب الوطني. كما سيحظى الجيش الوطني الشعبي بالدعم اللازم لأداء مهامه في تأمين حدود بلادنا ومكافحة الإرهاب والتهريب والجرائم العابرة للحدود.

كيف تنظرون إلى علاقات بلادكم مع المغرب؟ وهل ستفتحون ملف الحدود المغلقة مع السلطات المغربية؟
المغرب بلد جار وشقيق، وعلاقة الشعبين تستندُ إلى مبادئ وثوابت تاريخية وثقافية واجتماعية عريقة، والوضع الحالي للحدود لن يؤثّر أبداً على التقارب والتعاون بيننا، وعلينا أن ندرك أن هذه الحدود لن تبقى مغلقة إلى الأبد.

«التجمع الوطني الديمقراطي» لا يمكن اختزاله في شخص واحد


عُرفتم بأنكم أديب وشاعر قبل أن تخوضوا غمار السياسة. كيف حدث هذا الانتقال في مساركم؟
تكويني السياسي ومساري في «التجمع الوطني الديمقراطي» كنائب برلماني منذ سنة 1997 معروف. وأؤكد أن المشروع الوحيدُ الذي راهنتُ عليه من البداية هو أن أكون في خدمة بلدي من أيّ موقع يمكن أن أقدّم من خلاله الإضافة.

غابت الجزائر في السنوات الأخيرة عن قضايا الأمة العربية الكبرى، هل لديكم تصور لتفعيل دور بلادكم في حلّ الأزمات العربية؟
الجزائر لم تغب يوماً عن القضايا العربية، إنّما احترامها لمبادئها الدبلوماسية العريقة في احترام خصوصيات الشعوب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأيّ بلد قد يعطيان هذا الانطباع. ومن جانبي، التزمت في حال منحني الشعب الجزائري ثقته، بأن أعمل على تعزيز مكانة الجزائر ودورها في المحافل الدولية، وسيكون ذلك مهمة دائمة لدبلوماسيتنا بهدف تأكيد سيادتنا الوطنية والحفاظ على أمننا القومي. كما سنواصل الإسهام والسعي لإضفاء السلم والأمـن الإقليمي والدولي بتعزيز علاقات الأخوة والصداقة والتعاون وحسن الجوار في فضاءات انتمائنا.

كيف تنظرون إلى ما يحدث في لبنان؟ وما هو تصوّركم لعلاقات البلدين في حال انتخابكم رئيساً؟
لبنان بلد مهم في الشرق الأوسط، ونتابع حالياً الشأن السياسي بكثير من التفاؤل والأمل، وأعتقد أن التجربة المؤلمة للبنان الشقيق في ثمانينيات القرن الماضي ستساعد الشعب اللبناني على تجاوز أيّ اختلال سياسي أو اجتماعي أو ثقافي.


المرشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية