بعد أسابيع من الإصرار على تعيين رئيس حكومة من داخلها، تراجعت حركة «النهضة»، الفائزة في الانتخابات التشريعية، عن هذا الخيار. ووفق رواية قياديين، اقترحت قيادة الحركة 10 أسماء على «مجلس الشورى»، تمّ في الأخير التركيز على اثنين منهما، كلاهما عملا في حكومتَي «النهضة» بين عامي 2011 و2013. في النهاية، اختير الجملي لأسباب لم تشرحها «النهضة»، واقتُرح رسمياً على رئيس الجمهورية الذي أصدر تكليفاً له مساء الجمعة. في بداية مسيرته، عمل الجملي (60 عاماً) في وزارة الفلاحة كتقني مختصّ في الزراعات الكبرى، ثمّ ترقّى بعد حصوله على شهادة مهندس في أشغال الفلاحة وديبلوم عالٍ في الاقتصاد الفلاحي والتصرف في المؤسسات ذات الصبغة الفلاحية. غادر الرجل الوزارة عام 2001، ليشتغل في القطاع الخاص الذي حقّق فيه أبرز نجاحاته. سياسياً، لم ينتمِ الجملي إلى أحزاب. ووفق تصريح حديث له، تمّ اقتراح خطة حكومية عليه بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي بناءً على سمعته داخل وزارة الفلاحة. حينها، عُيّن كاتب دولة في الوزارة، ليستمرّ في وظيفته إلى عام 2014. وحول تعيينه الجديد على رأس الحكومة، ينسب الجملي وحركة «النهضة» الفضل إلى كفاءته، لكن هل هذا المعيار الوحيد لانتقاله من الصف الثاني للحكومة إلى صدارتها؟ في حوار أجراه أمس، قال الجملي إنه سيتعامل مع «كلّ الأحزاب بما فيها النهضة بالطريقة نفسها»، مؤكداً أنه لن يميّز بين مرشحي الأحزاب «إلّا عبر معيار الكفاءة»، مضيفاً أنه اشترط حين اتصلت به الحركة أن تكون له حرية اختيار فريقه. وحول النقطة الأخيرة تحديداً، أوضح الجملي أنه طلب من «النهضة» أن تقدّم له أكثر من اسم لكلّ حقيبة وزارية، على أن يختار منها الأفضل أو يرفضها جميعاً إن تطلّب الأمر، جازماً أنه سيتبع المنهج عينه مع بقية الأحزاب، مطمئناً إلى أنه «منفتح على الجميع إلا من أَقصى نفسه». على رغم ذلك، تشكّك بعض الجهات، على نحو غير رسمي، في استقلالية الجملي، وتعتبره جزءاً من حزام محيط بـ«النهضة»، مكوّن من شخصيات مستقلة يمكن استخدامها متى دعت الضرورة، فيما يعتقد كثير من المراقبين أن الرجل تنقصه الخبرة السياسية لإدارة الأزمات، وتعوزه العلاقات مع المنظمات المهنية الكبرى التي ستسلّط عليه ضغطاً بمجرد انتهاء تشكيل الحكومة.
يقدّر مراقبون أن يكون مسار تشكيل الحكومة طويلاً وشاقّاً


أما في مسألة التحالف الحكومي، فقد أعلن قياديون من «النهضة»، في تصريحات إعلامية، أنهم لا يزالون يرغبون في تشكيل حكومة تتكوّن من «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب» و«ائتلاف الكرامة» وحركة «تحيا تونس»، وأن التحالف مع حزب «قلب تونس» وزعيمه رجل الأعمال المثير للجدل نبيل القروي مستبعد الآن، مشددين على أن الاتفاق بينهما انحصر في اختيار رئيس البرلمان ونائبيه (راجع «الأخبار»، العدد 3908). في واقع الأمر، تبدو الصفقة التي عقدتها «النهضة» مع «قلب تونس» داخل البرلمان ورقة ضغط على بقية الأحزاب، حيث أرادت الحركة إيصال رسالة مفادها أن البديل موجود، وأنها مستعدّة للمضيّ قدماً من دون الرضوخ لشروط تراها مُجحفة، حتى وإن كان ذلك يعني التحالف مع الحزب الذي بنت حملتها الانتخابية على معاداته.
اليوم، ينطلق الجملي في مشاوراته مع الأحزاب، فيما يقدّر مراقبون أن يكون هذا المسار طويلاً وشاقّاً. من ناحية، سيكون عليه إقناع أربعة أحزاب بالمشاركة في حكومته، من دون احتساب «النهضة» صاحبة المبادرة، و«قلب تونس» المستبَعد حالياً، ومحاولة التأليف بين طلباتها. ومن ناحية ثانية، وفي حال نجح في مهمّته الأولى، سيكون الجملي أمام اختبار إرساء تناسق بين وزرائه والحفاظ على ولاء أحزابهم، إذ سيمثّل انسحاب أحد الأحزاب تهديداً وجودياً للحكومة.