تونس | اُستدعي الإعلامي التونس سامي الفهري، صباح أمس، لإجراء تحقيقات، واستمر الاستجواب ساعات مطوّلة، لينتهي مساء بإبقائه موقوفاً على ذمة قضيّة حول شبهة فساد ماليّ في شركة "«اكتوس برود» التي صارت الدولة تملك غالبية أسهمها بعد مصادرتها حصّة صهر الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، بلحسن الطرابلسي. وشمل الإيقاف المتصرفة القضائيّة السابقة التي تدير حصّة الدولة في «كاكتوس برود» ووكيل شركة «آيت برود» التي تملكها زوجة الفهري. توجد أيضاً رواية غير رسميّة للأحداث وردت على لسان محامي الفهري، عبد العزيز الصيد، وتدور حول محور تدخل السياسة في القضيّة. يقول المحامي إنّ عشرات أعوان الأمن (شنوا) حملات مداهمة وتفتيش في مقر الشركة والقناة ومنزل الفهري، مرجحاً أنّ ذلك تمّ بحثاً عن «شريط تسجيل التحقيق الخاص بتمويلات حركة النهضة». تجدر الإشارة إلى أنّ ذلك التسجيل كان سيبثّ في الأيام الماضية لكن تمّ التراجع رغم إصدار تلفزيون «الحوار التونسيّ» فيديو ترويجيّاً له، وقد أصدرت «النهضة» بياناً قالت فيه إنّها ستتبع القناة قضائيّاً في حال بثّه. لكن، هل يحمل إيقاف الفهري خلفيّة سياسيّة بالفعل؟ الإجابة معقّدة خاصّة مع ورود هذا الاتهام سابقاً خلال إيقاف المرشح الرئاسيّ نبيل القروي. مع ذلك، يمكن القول إنّ من مصلحة الفهري ترويج هذه الرواية لخدمة قضيّة، مع أنّ المتابعة القضائيّة في حقّه انطلقت قبل أن يصل رئيس الحكومة الحاليّ، يوسف الشاهد، و«النهضة» إلى الحكم. إذ تعود قضيّته إلى عام 2011، ورفعها التلفزيون التونسيّ العموميّ ضدّه هو وشريكه السابق، الطرابلسي، وخمسة مديرين عامين سابقين للمؤسسة، والمستشار الأسبق في رئاسة الجمهوريّة المكلّف ملف الإعلام، عبد الوهاب عبدالله.
لتوضيح المسألة، تجب العودة قليلاً إلى الدور الذي لعبه الفهري خلال حكم بن علي. دخل الفهري في علاقة شراكة مع الطرابلسي، تأسّست بمقتضاها «كاكتيس برود للإنتاج الإعلاميّ». تدريجيّاً دخلت الشركة في تعاملات مع التلفزة الوطنيّة، وبدأ يصعد نجم الفهري بتقديمه برامج ترفيهيّة ومسلسلات، لكنّ كلّ ذلك تمّ باستعمال الإمكانات التقنيّة للمؤسسة العموميّة ووفق عقود تحرمها غالبية مداخيل الإعلانات. بعد سقوط نظام بن علي، فضّت تلك الشراكة، وهيمنت الدولة على غالبية أسهم الشركة. رغم ذلك، استمر الفهري في النشاط، وبعث تلفزيوناً جديداً يُبثّ على ذبذباته إنتاجات «كاكتيس برود». في خضمّ ذلك، تحركت القضيّة عام 2012، وتم الاحتفاظ بالفهري في السجن لما يقارب تسعة أشهر، لكن أُطلق سراحه بعد حملة مساندة عريضة واتهام «النهضة» بالوقوف وراء سجنه.
بخروجه من السجن، أعاد الفهري تنظيم نشاطه عبر سلسلة من التحركات، واشترى ذبذبات بثّ جديدة وأسس شركة إنتاج جديدة باسم «آيت برود» تملكها زوجته، ثمّ باع حصّته في «كاكتيس برود» ليتخلّص من تبعيّته للدولة. لكنّ هذا المسار شهد اختلالات كثيرة، وفق ما يقوله متعاونون معه، إذ استغلّ في تأسيس شركته الجديدة إمكانات «كاكتيس برود» التقنيّة والبشريّة. وتأتي القضيّة الجديدة في هذا السياق، وهي مبنيّة على تقرير أنجزته «هيئة الرقابة العامة للماليّة» خلص إلى وجود شبهة «فساد وإضرار بالمال العام». ولا يُعلم حتى الآن هل الاحتفاظ بالفهري سيطول، لكن من المؤكد أنّ التتبّع القضائيّ سيستمر في قضيّته القديمة على الأقل. وحتى في حال إخلاء سراحه، يبقى ممنوعاً من السفر بناءً على قرار قضائيّ صدر نهاية الشهر الماضي، كما تنتظره جلسة محاكمة نهاية الشهر المقبل يُنتظر أن تشهد حكماً بالسجن. وفي مواجهة ذلك، يحاول الفهري والصفّ الداعم له، الذي يشمل قناته وأحزاباً وجمعيّات، إكساء القضيّة طابعاً سياسيّاً. هذه المحاولات تقوم على خلق مظلوميّة للرجل الذي يُصوّر كبطل يحاول كشف فساد مزعوم، وشمل ذلك إجراء حوار مع المرشح الرئاسيّ المقيم خارج البلاد، سليم الرياحي، أثناء الحملة الانتخابيّة، حول ممارسات فساد لرئيس الحكومة (راجع العدد 3849)، فضلاً عن تحقيق لم يُبث (بعد) حول مصادر تمويل «النهضة».