عقدت، أمس، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ندوة صحافية للإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية. تأخَّر موعد الندوة أكثر من ساعتين لأسباب لم يُعلَن منها، لكنها ترتبط على الأغلب بوجود خلافات داخل مجلسها بشأن تطبيق عقوبات على قوائم ارتكبت خروقات، خاصة أنه لم يتمّ في نهاية المطاف سوى إسقاط قائمتين لحزبَي «الرحمة» و«عيش تونسي» لخرقهما الصمت الانتخابي. تغيّرت النتائج المُعلَنة قليلاً عن التوقعات الأولية الصادرة عن شركات استطلاعات الرأي والنتائج الجزئية التي أعلنتها هيئة الانتخابات، خاصة بعد تطبيق طريقة احتساب «أكبر البقايا»، والتي يتمّ بناءً عليها إحالة فائض أصوات القوائم الأعلى ترتيباً على القوائم الموالية لها في الترتيب. ومن بين 217 مقعداً إجمالياً، حصّلت حركة «النهضة» 52 مقعداً لتبقى في الصدارة، يليها حزب «قلب تونس» الذي ارتفع عدد مقاعده إلى 38. وفيما حلّ حزب «التيار الديمقراطي» ثالثاً بـ22 مقعداً، و«ائتلاف الكرامة» رابعاً بـ21 مقعداً، تبوّأ «الحزب الدستوري الحرّ» المرتبة الخامسة بـ17 مقعداً، لتأتي «حركة الشعب» في المرتبة السادسة بحصولها على 16 مقعداً، وحركة «تحيا تونس» سابعة بـ14 مقعداً. أما بقية المقاعد فتشتّتت بين عدد كبير من الأحزاب والقوائم المستقلة. وتظلّ هذه النتائج قابلة للطعن لدى القضاء خلال الأسبوعين المقبلين، ما يبقي احتمال تغيّرها قائماً.
وعلى رغم ارتفاع حصيلة الأحزاب السبعة الأولى، إلا أن الأغلبية اللازمة للمصادقة على تشكيل حكومة، والبالغة 109 أصوات، تبقى صعبة المنال. يعني ذلك أن تكوين الحكومة سيكون خاضعاً لمفاوضات شاقّة وتوازنات دقيقة. مبدئياً، وباستثناء «الحزب الدستوري الحرّ» المدافع عن نظام زين العابدين بن علي، وحزب «قلب تونس» الذي يرأسه المرشح الرئاسي نبيل القرَوي، تبدو إمكانية تجمّع بقية الأحزاب الخمسة ممكنة نظرياً وضرورية لتحصيل الأغلبية، لكن حسابات الواقع تُعقّد المسألة.
حتى الآن، لم يعرب سوى «ائتلاف الكرامة» عن استعداده للتحالف مع «النهضة»، وهو أمر متوقع بالنظر إلى وجود قواسم فكرية مشتركة بينهما. حركة «تحيا تونس»، التي يتزعمها رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لم تفصح عن موقفها بعد، لكن احتمال التحاقها بالتحالف الحكومي شديد الترجيح نظراً إلى التقارب بينها وبين «النهضة» خلال الأعوام الثلاثة الماضية. أما «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب» فيمثلان مشكلة حقيقية لـ«النهضة»؛ إذ إن «التيار» عبّر عن انعدام ثقته بالحركة، وشكّك في إرادتها إحداث تغيير، ثم اشترط عليها الحصول على وزارات العدل والداخلية والإصلاح الإداري، وتوقيع اتفاق يحمل أهدافاً واضحة من أجل الدخول في تحالف حكم، فيما اشترطت «حركة الشعب» للدخول في حوار مع «النهضة» الاتفاق على كشف ما وصفته بـ«ملفات الإرهاب»، خاصة في ما يتعلق باغتيال الناشطَين محمد البراهمي وشكري بلعيد، وتسفير المقاتلين نحو سوريا وليبيا، وتعزيز السيادة الوطنية، والتركيز على مقاومة الفقر والبطالة.
في المقابل، لم تعلّق «النهضة» على تلك الشروط بشكل واضح، لكن مكتبها التنفيذي أصدر أمس بياناً تناول فيه أفق تشكيل الحكومة. وأعلن البيان الانطلاق في بلورة التوجهات الرئيسة لبرنامج الحكم في الفترة المقبلة، على أن تتخذه الحركة «منطلقاً للحوار مع مختلف القوى السياسية القابلة للعمل المشترك»، مؤكداً الانفتاح «على كلّ المبادرات الجادة التي تلتقي معها حول برنامجها الانتخابي أو جزء منه». ومع أن البيان دعا إلى التصويت للمرشح قيس سعيّد في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية في مواجهة نبيل القروي، إلا أنه لم يُقصِ حزب «قلب تونس» من الحوار حول تشكيل الحكومة، ما يعني أن «النهضة» قد تتحاور مع حزب القروي لتشكيل حكومة في حال قبول الأخير بذلك، على رغم إعلانها عدائها له خلال الحملة الانتخابية. حتى الآن، يظلّ العداء بين الطرفين السمة الأهم للعلاقة، لكن قد تتغيّر الأمور بعد الانتخابات الرئاسية. ويرجّح كثير من المراقبين احتمال قيام تحالف بين التنظيمين، خاصة أنه سبق لـ«النهضة» القيام بأمر مماثل عام 2014، حيث خاضت حينها حملتها الانتخابية ضدّ حركة «نداء تونس»، ثمّ تحالفت معها في إطار ما كان يُعرف بـ«التوافق».


تسريب حوار آري بن مناشي بعد تأجيل بثّه
نشر فريق إعلامي أمس في قناة على موقع «يوتيوب»، حواراً مع رئيس شركة «ديكنز أند مادسون» الكندية للعلاقات العامة، آري بن مناشي، بعد إعلان قناة «التاسعة» تأجيل بثّه. ويدور الحوار حول ما يقال بأنه عقد أبرمه المرشح الرئاسي نبيل القروي مع الشركة، بغية ترتيب لقاءات مع الرئيس الأميركي وتحصيل دعم روسي. وادعى بن مناشي، الذي شغل بداية التسعينيات منصب مستشار لرئيس الوزراء الإسرائيلي، أنه التقى القروي في تونس أكثر من مرة. وأشار، في سياق حديثه عن تفاصيل العقد الموقّع بينهما، والذي تلقّى ربع قيمته البالغة مليون دولار عبر تحويل مباشر من حساب للقروي وزوجته في دبي، إلى أنه يدور حول مساعدة القروي على «خلق تونس جديدة» بعد انتصاره في الانتخابات. ويرغب القروي في أن تكون «تونس الجديدة» في ظلّ رئاسته «راعية للسلام في المنطقة»، وذلك عبر عقد مؤتمر في تونس يجمع أطراف النزاع الليبي برعاية من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. كما يريد القروي، وفق تصريحات بن مناشي، إخراج تونس من دائرة التأثير الفرنسي وإدخالها دائرة التأثير الأميركي. وفي هذا الإطار، لفت بن مناشي إلى أنه نصح القروي بالتحالف مع الإسلاميين في الحكم، لإعطاء صورة جيدة عن الدمج بين الأصالة والتأثّر بالغرب، وهي فكرة تعجب أيضاً الأميركيين. ويبدو أن القروي مقتنع بهذه الفكرة، على رغم إظهاره العداء لـ«حركة النهضة» طوال حملته الانتخابية. وأضاف بن مناشي أنه اقترح على القروي مساعدته في هذا الأمر بواسطة علاقاته بالإسلاميين (الذين يدعي أنه تعامل معهم في دول إقليمية أخرى مثل السودان). وتابع أنه تفاجأ بإيقاف القروي، وأنه تواصل مع الأميركيين الذين مارسوا ضغطاً لإطلاق سراحه، «حرصاً على سلامة العملية الانتخابية». أما عن دواعي خروجه الإعلامي، فرأى أنه بدا ضرورياً لتقديم توضيحات بعد إنكار القروي توقيعه عقداً مع شركته.