تسري، منذ أعوام، أخبار عن وجود عسكريين روس في ليبيا يقاتلون إلى جانب قوات المشير خليفة حفتر. الأدلة السابقة على حضور هؤلاء انحصرت في بعض الصور التي نُشرت لهم قبل عامين، لكن المعلومات كانت تقول حينها إنهم يساعدون فقط في نزع الألغام التي تركها تنظيم «داعش» في بعض مناطق شرق البلاد.أول من أمس، ظهرت أدلة تشير إلى أدوار أكبر من ذلك تتولّاها قوات روسية. بعد عملية قصف على منطقة السبيعة جنوب طرابلس، وجد جنود، يقاتلون تحت مظلّة قوات عملية «بركان الغضب» التابعة لحكومة «الوفاق»، أغراضاً تتبع عنصراً روسياً واحداً على الأقلّ. تشير الأغراض، التي تشمل هاتفاً جوالاً وبطاقة بنكية وكرّاسات تحوي ملاحظات ومعدّات تلغيم، إلى تورط صاحبها في عمليات قتالية، وخاصة مع وجوده في جبهة مشتعلة. النقطة الأخرى المثيرة، في ما يتعلّق بالأغراض، هي احتواؤها مبالغ مالية بالعملة السورية، وصوراً للعنصر الروسي في مناطق سورية، ما يعني وجوده هناك سابقاً. شملت الصور في الهاتف المحمول، أيضاً، شعارات عسكرية، أحدها يتبع القوات البحرية الروسية، لكن مصادر المعلومات تجمع على أن المقاتلين الروس الموجودين في ليبيا يتبعون شركة «فاغنر» العسكرية الخاصة.
قد يمثّل كشف الدعم الروسي لحفتر نقطة تحوّل لدور موسكو في ليبيا


في تقرير نشرته أول من أمس، قالت وكالة «بلومبيرغ»، نقلاً عن مصادر غربية وروسية وليبية، إن أكثر من 100 مقاتل يتبعون شركة «فاغنر» وصلوا إلى ليبيا بداية أيلول/ سبتمبر. وفقاً لهذه الرواية، تم وضع هؤلاء المقاتلين في قاعدة الجفرة وسط البلاد، وكذلك في بلدة جنوبي طرابلس يتخذونها مركزاً للعمليات، وقد تعرضت هذه الأخيرة لقصف أودى، على ما يبدو، بحياة بعضهم. ويشير سجلّ سير المعارك إلى حوادث شهدها وسط البلاد، كشفت عن معدّات عسكرية روسية. قبل حوالى شهرين، قصفت قوات «الوفاق» قاعدة الجفرة، ما أدى إلى تدمير طائرة شحن من طراز «إليوشن» روسية الصنع، لكن تملكها شركة أوكرانية. علاوة على ذلك، أُسقطت أيضاً طائرتان مسيّرتان، على الأقل، من طراز «أورلان 10» روسيتا الصنع، واحدة في مدينة سرت (قرب الجفرة) قبل حوالى أربعة أشهر، والأخرى جنوب طرابلس قبل أيام.
وعلى رغم أن شركة «فاغنر» لا تنشط في روسيا، حيث يمنع القانون هناك إنشاء شركات عسكرية خاصة، إلا أنها مرتبطة بشكل وثيق بعمليات الجيش الروسي. وتشير تقارير إلى وجود نشاطات للشركة في أوكرانيا وروسيا وبعض الدول الأفريقية، على غرار أفريقيا الوسطى حيث يحمي عناصرها رئيس البلاد. وتم اللقاء الوحيد المعروف لحفتر مع مسؤولين مقربين من هذه الشركة في روسيا قبل حوالى عام، عندما زار حفتر موسكو للقاء وزير الدفاع، سيرغي شويغو، ومسؤولين عسكريين آخرين، لكن حضر الاجتماع أيضاً رجل الأعمال الروسي المقرب من «فاغنر»، يفغيني بريجوزين. وتحوم شبهات حول دور بريجوزين في الاجتماع، ففي حين ظهر في تسجيلات للقاء نشرها الإعلام المقرب من حفتر، لم يرد اسمه في قائمة الحضور التي نشرتها وزارة الدفاع الروسية.
قد يمثّل كشف الدعم الروسي لحفتر نقطة تحوّل لدور موسكو في ليبيا. على امتداد الأعوام الماضية، ظلّ الموقف الروسي الرسمي ثابتاً من الصراع الليبي، حيث دعا مسؤولون إلى إيجاد حلّ سياسي عبر التفاوض. وعلى رغم استقبالهم حفتر، استقبلوا أيضاً ممثلين عن حكومة «الوفاق». اليوم، تبدو روسيا أكثر انحيازاً لحفتر، على رغم ثبات موقفها الرسمي، وتبدو دعوات المشير إلى أن تقوم موسكو في ليبيا بدور أكثر فاعلية، قيد التحقّق.