تَقدّم، حتى يوم أمس، نحو 30 مرشحاً، بينهم حفنة فقط من المرشحين الجدّيين. ويعود ارتفاع العدد إلى عدم اشتراط هيئة الانتخابات الحصول على ملفات كاملة عند تقديم الترشح، تشمل تزكيات 10 نواب برلمانيين أو 40 رئيس بلدية أو 10 آلاف مواطن، إضافة إلى ضمان مالي بقيمة 10 آلاف دينار (نحو 3 آلاف دولار). ومن الوجوه البارزة التي تقدمت للانتخابات الرئيس الأسبق، منصف المرزوقي، الذي شغل المنصب بعد انتخابه من المجلس التأسيسي خلال الفترة الانتقالية (2011 ــــ 2014)، ورئيسا حكومة سابقان، أولهما حمادي الجبالي، الذي قاد أول حكومة منتخبة بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي (2011 ـــــ 2013) والمستقيل من «حركة النهضة»، ومهدي جمعة، الذي ترأس حكومة مؤقتة جاءت بعد حوار وطني (2014 ــــ 2015)، إضافة إلى لاعبين جدد بنوا حضورهم على خطابات «شعبوية»، من بينهم صاحب قناة «نسمة» التلفزيونية، نبيل القروي، ورئيسة «الحزب الحر الدستوري»، عبير موسي.
مورو والزبيدي المرشحان الأوفر حظاً في تحقيق نتائج متقدمة
إلى جانب هؤلاء، ثمة اسمان يحظيان بفرص أكبر للفوز، هما مرشح «حركة النهضة»، عبد الفتاح مورو، ووزير الدفاع، عبد الكريم الزبيدي. جاء إعلان ترشيح مورو مساء أول من أمس، في خطوة لم تُقدِم عليها «النهضة» سابقاً لأسباب متنوعة، أبرزها عدم الرغبة في الهيمنة على الساحة السياسية، خاصة بعد مآل تجربة «الإخوان المسلمين» في مصر. أما الزبيدي، الذي قدم أمس ملف ترشحه كاملاً بتزكيات عدد من نواب البرلمان، فقصة تحوله إلى مرشح رئاسي مثيرة للاهتمام. طوال مسيرته السياسية، التي بدأت زمن بن علي واستمرت بعده، ظلّ الزبيدي مسؤولاً تكنوقراطياً غير متحزب، ويتجنب الخوض في صراعات السياسة. لكن بمجرد وفاة قائد السبسي، برزت حملات إعلامية له، شملت دعاية ممولة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتلميحات من وسائل إعلام، بعضها إماراتية، ترسمه رجلَ دولة متمرّساً ويحظى بإجماع واسع. حتى الآن، حظي الزبيدي بدعم من جناح في حركة «نداء تونس»، يتزعمه نجل الرئيس الراحل، إضافة إلى عدد من النواب البرلمانيين والوجوه السياسية. ويحاول مساندوه تصديره وريثاً للباجي قائد السبسي، يمكنه الحفاظ على توازن مع «حركة النهضة»، من دون الدخول في صراعات مدمرة معها، ويمكنه أيضاً الوقوف في وجه المرشحين «الشعبويين».
وتنوعت القراءات لترشح مورو والزبيدي. من ناحية، يرى البعض أن كليهما ممثل لمجموعة مصالح جهوية؛ فمورو متحدّر من أعيان العاصمة، أما الزبيدي فهو يتحدّر من جهة الساحل، ويهيمن أعيان الجهتين على السياسة التونسية منذ إعلان الجمهورية. لكن ثمة قراءة ثانية تذهب إلى أن الزبيدي مرشح «المنظومة» التي ترى أنه قادر على حفظ مصالحها، والمقصود هنا ما يشبه «الدولة العميقة»، أي شبكة العلاقات السائدة بين المال والسياسة والخارج، أما مورو فهو مرشح «النهضة» لمجرد مساومة هذه «المنظومة». وعلى رغم شعبيّتهما، تبقى هاتان القراءتان محدودتين وغير قادرتين على تفسير كل شيء، لكنهما تدلان على حضور المعطى الجهوي، وهاجس خضوع السياسة للمال والخارج، في أذهان قطاعات من النخبة.
ويبقى هذان المرشحان الأوفر حظاً في تحقيق نتائج متقدمة في الانتخابات الرئاسية، خاصة في ظلّ عدم حسم رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، موقفه من الترشح. وصعد نجم الشاهد بعد توليه المسؤولية منتصف عام 2016، ودخوله في صراعات مع رئيس الجمهورية الذي كان وراء ترشيحه على رأس الحكومة. ويتزعم الشاهد حركة «تحيا تونس» التي تأسّست بداية هذا العام، وتضمّ وزراء ووجوهاً منشقين عن «نداء تونس»، وتظلّ حظوظه وافرة في تحقيق نتائج جيدة في الرئاسيات، إذا قرّر الترشح لها.