برزت مخاوف من «ثورة مضادة» بعد تبني أحزاب السلطة طرح الحوار
وقد جاء إسراع الحراك الشعبي برفض قطعي لبقاء الرئيس المؤقت ووزيره الأول في ظل مخاوف من تمسك المؤسسة العسكرية بهما في إطار الحل الدستوري الذي تنادي به بعد إلغاء الانتخابات الرئاسية. وتثار في هذه النقطة تأويلات للدستور، من بينها إمكانية التمديد في ولاية الرئيس المؤقت بعد نهاية عهدته يوم 7 تموز/ يوليو المقبل، حتى يتسنى له من جديد الإشراف على الانتخابات الرئاسية، وتسليم السلطة لرئيس الجمهورية الجديد، وهو إذا ما وقع فعلاً، سيؤدي وفق متابعين إلى إعادة إنتاج الأزمة نفسها التي قضت على انتخابات 4 تموز/ يوليو. كما أن مخاوف أخرى من «ثورة مضادة» برزت بعد تبني الأحزاب الموالية للرئيس بوتفليقة طرح المؤسسة العسكرية واستعدادها لتكون جزءاً من الحوار الذي دعت إليه، وهو ما دفع بعض المتظاهرين إلى استثناء الأحزاب التي كانت شريكة في الأزمة من هذا الحوار أيضاً، شأنها في ذلك شأن الواجهة المدنية للحكم حالياً.
ورغم رفضها من المؤسسة العسكرية، فإن جل المبادرات المطروحة في الساحة تتلاقى حول فكرة المرور على «مرحلة انتقالية قصيرة»، وآخرها بيان وقّعه مشايخ وعلماء يرمزون لكل المذاهب الفقهية والعقدية في البلاد، دعا إلى «تفعيل المادتين 7 و8 من الدستور، وإسناد المرحلة الانتقالية إلى من يحظى بموافقة أغلبية الشعب لتولي مسؤولية قيادة الوطن، نحو انتخابات حرة ونزيهة، وذات صدقية». واقترح البيان على من يقود المرحلة الانتقالية «تعيين حكومة من ذوي الكفاءات العليا، وتعيين لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات المقبلة من البداية إلى النهاية، وتنظيم ندوة حوار وطني شامل، لا تُقصي أحداً، تكون مهمتها وضع أسس معالم المستقبل، وفتح خريطة طريق لرسم سياسة جديدة تحصّن الوطن». ومع أن البيان لا يختلف كثيراً عن مبادرات سابقة، فإنه استرعى اهتماماً خاصاً كونه يزيل فكرة أن دعاة المرحلة الانتقالية ينتمون في معظمهم إلى التيار العلماني التغريبي المرتبط بدوائر أجنبية، كما يردد أنصار قيادة الجيش المتمسكون بحرفية الدستور.
من جانب آخر، عكست مسيرات أمس حالة غضب عارمة من وفاة الناشط الحقوقي الإباضي كمال الدين فخار داخل السجن الثلاثاء الماضي، بعد إضراب طويل عن الطعام. وحمَّل المتظاهرون الذين رفعوا صور فخار شعارات مناوئة للسلطة، محملين إياها مسؤولية وفاته الغامضة. وهذا الموضوع حساس للغاية كون فخار ينتمي إلى طائفة «بني ميزاب» التي تسكن مدينة غرداية في الجنوب الشرقي للجزائر، وتعتنق المذهب الإباضي. وتعرف هذه المدينة منذ سنوات صراعات مذهبية بين الميزابيين والشعانبة الذين يعتنقون المذهب المالكي (قبيلة عربية كبيرة من بني سليم)، وصلت إلى حد مواجهات دموية سنة 2013. وكان فخار لسنوات طويلة أحد وجوه العنصر الميزابي المنددين بما يرونه «التضييق الذي يطاول هذه الطائفة»، وهو ما كلفه السجن لمرات، لكن حبسه أخيراً اكتسى طابعاً خاصاً، كونه جاء في عز الحراك الشعبي المنادي بتحرير جهاز القضاء، ما جعل موته بهذه الطريقة يترك انطباعاً بأن الوضع لم يتغير كثيراً عما كان.