كثّفت قوات المشير خليفة حفتر تحركاتها نهاية الأسبوع الماضي. كانت البداية يوم الخميس، حيث اعتقلت النائب في «المجلس الأعلى للدولة»، محمد أبو غمجة، في منطقة سكنه في ضاحية قصر بن غشير جنوب طرابلس، من دون أن تؤكد ذلك أو تنفيه رسمياً على رغم اتهامها به من قِبَل المجلس. ومع حلول فجر الجمعة، شنّ الطيران مجموعة من الغارات في وسط العاصمة، مستهدفاً عدداً من المؤسسات المدنية، على رأسها فندق «رسكوس» الذي يمثّل مقراً لما بات يعرف بـ«برلمان طرابلس»، وهو تجمع لحوالى 50 من نواب البرلمان المتركز شرق البلاد، قرروا معارضة حفتر وانتخاب رئيس من بينهم والعمل في العاصمة مع حكومة الوفاق. نفت قوات حفتر مسؤوليتها عن استهداف الفندق، ونَسَبته إلى صراعات داخلية ضمن التشكيلات الموالية لـ«الوفاق» حول تقسيم الموارد العسكرية، على رغم انتشار شرائط فيديو وشهادات من داخل طرابلس توثق تحليق طائرات مسيّرة في الأجواء وتنفيذها ضربات. مع حلول صباح يوم السبت، شنّت قوات حفتر هجوماً مباغتاً للسيطرة على «معسكر النقلية» الذي يقع ضمن موقع متقدّم في طريق المطار. نجح الهجوم في بدايته، إلا أنه بدأ بالانتكاس بعد ساعات، حيث قالت قوات حكومة الوفاق إنها نصبت كميناً ناجحاً، تمكنت على إثره من إعطاب دبابة ومدرعتين لقوات حفتر، إضافة إلى إيقاع خسائر في صفوفها، وقد نشرت صوراً لمدرعتين من طراز «المارد» و«مومباي» أردنيتَي الصنع، علماً بأن هذين الصنفين دخلا حيز الاستعمال ضمن قوات حفتر الأسبوع الماضي.
فشل هذا الهجوم لم يكن وحيداً. إذ خسرت قوات حفتر أحد أهم شخصياتها في غرب البلاد، وهو العميد مسعود الضاوي. سقط الضاوي برفقة مرافقين له فجر يوم الجمعة. وتقول الرواية الرسمية إنه قتل في اشتباكات على محور عين زارة، إلا أن هناك رواية أخرى تقول بتصفيته داخلياً. أصدرت قبيلة ورشفانة التي ينتمي إليها الرجل (تقطن منطقة بالاسم نفسه جنوب طرابلس) بياناً اتهمت فيه «اللواء التاسع» بتصفيته بعد حضوره اجتماعاً في مدينة ترهونة، وقررت بناءً على ذلك مقاطعة المدينة إلى حين إظهار المسؤولين عن الاغتيال. وينذر هذا التصعيد بحدوث تصدعات داخل محور حفتر، وقد يحبط محاولات هذا الأخير استمالة تشكيلات عسكرية أخرى من ورشفانة، وخاصة تلك التي يقودها اللواء عمر تنتوش.
الجديد في كلام حفتر اتهامه المبعوث الدولي الخاص، غسان سلامة، بالانحياز


ضمن هذه الأجواء، نشرت أمس جريدة «لو جورنال دو ديمانش» الفرنسية حواراً مع المشير حفتر، أجري أثناء زيارته الرسمية لفرنسا الأسبوع الماضي. أعاد الرجل تأكيد موقفه الذي نقله الإليزيه، برفض وقف إطلاق النار، لكنه عزا ذلك إلى عدم توفر الظروف، إذ اعتبر أنه «للعودة إلى الحل السياسي، يجب أولاً القطع مع الميليشيات عبر كنسها»، مضيفاً إن «المشكلة في طرابلس أمنية». ورأى أن مطالبته من طرف رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، بسحب قواته إلى مواقعها قبل الهجوم «ليست واقعية»، مخاطباً التشكيلات العسكرية المعارضة له بأن «من يقبلون رفع الرايات البيض، وتسليم أسلحتهم، والعودة إلى منازلهم، سيبقون سالمين معافين».
الجديد أيضاً في حوار حفتر هو اتهام المبعوث الدولي الخاص، غسان سلامة، بالانحياز. إذ عند سؤاله عن تصريحات سلامة أمام مجلس الأمن حول إمكان تقسيم ليبيا وإدخال البلاد في حرب شاملة كإحدى نتائج الهجوم على طرابلس، أجاب حفتر بأن «تقسيم ليبيا هو ما يريده أعداؤنا، وربما ما يريده سلامة أيضاً»، مضيفاً إن المبعوث الدولي يدلي بـ«تصريحات غير مسؤولة». كلام حفتر هذا يأتي ضمن موجة ابتزاز للمبعوث الدولي من طرفَي الصراع، لكن ذلك بقي على مستويات غير رسمية، وهذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها مسؤول ليبي سلامة بوضوح بخدمة أجندة الطرف المقابل.
كذلك، اتهم حفتر، كلاً من تركيا وقطر، بخرق القرار الأممي بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، لكنه نفى في الوقت نفسه تسلّمه أسلحة من الإمارات ومصر. وإذا كان قائد الحرب الليبي محقاً بخصوص تركيا وقطر، حيث من الثابت تسليح أنقرة (خاصّة) لحكومة الوفاق، وإن بمستويات محدودة حتى الآن، إلا أن الثابت أيضاً تسليح الإمارات ومصر لحفتر، الذي تغصّ جبهاته بالذخائر المصرية والقطعات الإماراتية والأردنية (بتمويل إماراتي)، كما لا تمرّ ليلة في طرابلس من دون أن تشهد تحليقاً وقصفاً من طائرات مسيّرة إماراتية.