في حرب تبدو الجبهة الميدانية خافتة فيها، مع انحسار المعارك على الحدود الجنوبية للعاصمة الليبية طرابلس، تنشط الجبهات الأخرى، السياسية والاقتصادية، وحتى الإنسانية. تمثل ذلك بالجهود الخارجية لطرفَي النزاع، ولا سيما الجولتان المكوكيتان لكلّ من رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، والمشير خليفة حفتر، على عواصم أوروبية وعربية هذا الشهر، والقرارات بوقف شركات أوروبية عاملة في طرابلس، واتهامات متبادلة بشأن الضحايا المدنيين واستخدام البنية التحتية وتحويلها إلى سلاح في الحرب، على غرار قطع المياه عن العاصمة أول من أمس وعودتها أمس. وعلى رغم أن المجتمع الدولي لا يزال عالقاً وسط خلافات الدول الأوروبية، وغياب الموقف الأميركي الواضح، يظلّ مجلس الأمن، إذا ما استطاع توجيه الدفة، قادراً على وقف الحرب وفرض الاستقرار نسبياً، أو على الأقلّ إنهاء غموض الموقف الدولي الذي سمح لمحور السعودية والإمارات ومصر بالاستمرار في دعم هجوم حفتر سياسياً واقتصادياً، وحتى عسكرياً.وفي ضوء ذلك، تسعى حكومة الوفاق إلى توطيد علاقاتها مع الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في المجلس. وقد علمت «الأخبار»، في هذا الإطار، أن وفداً ليبياً رفيع المستوى طلب من المسؤولين الكويتيين، أثناء زيارته للكويت، استخدام عضويتهم في مجلس الأمن لتقديم مسودة أعدّتها الحكومة الليبية لإدانة التدخلات السعودية والإماراتية في الشؤون الداخلية لليبيا. ونقل المصدر المطلع لـ«الأخبار»، عن نائب المجلس الرئاسي الليبي، أحمد معيتيق، في اجتماع خاص قوله: «إننا نعلم جيداً ما يحدث في دول الخليج وتقسيمات هذه الدول، حيث تسعى السعودية والإمارات إلى التأثير بشكل غير مباشر في الشؤون الداخلية لبعض الدول من خلال إنفاق الأموال. وقد أثر هذا أيضاً في الشعب الليبي وليبيا، حيث دعمت هاتان الدولتان خليفة حفتر، ما أدى إلى استياء عام في البلاد». وتابع معيتيق: «كذلك إن حوارنا مع الكويت هو في المقام الأول حوار مع مجلس الأمن، وفي هذا الإطار لدينا وجهة نظر كويتية واضحة تدعم مواقف الليبيين وليبيا، ونحن غير راضين أبداً عن التدخل السعودي والإماراتي في بلدنا، والكويت تتفق معنا».
تتفق الكويت مع «الوفاق» في رفض التدخل السعودي والإماراتي في ليبيا


داخلياً، لم يمرّ قطع المياه عن طرابلس، مساء الأحد الماضي، الذي سبّبته مجموعة مسلحة موالية لحفتر، مرور الكرام في دوائر الأمم المتحدة، وإن ليوم واحد، لخطورة استخدام أهم مقومات الحياة كسلاح حرب. هذا ما بدا في إفادة المبعوث الأممي الخاص، غسان سلامة، التي قدمها أمس إلى مجلس الأمن حول آخر التطورات في ليبيا ورؤيته لإنهاء الحرب. إذ اعتبر أن «البنية التحتية واحدة من ضحايا النزاع... فالمياه... أصبحت في العاصمة والمنطقة الشمالية الغربية بكاملها تستخدم كسلاح»، وهو «ما يعرّض عشرات الآلاف من البشر لمخاطر محدقة قد تمثّل جريمة حرب لا بد من إدانتها بأشد العبارات». وكان المشير خليفة حفتر قد تبرّأ من العملية، لكنه بدا المسؤول الأول عنها بطريقة أو أخرى، فبالإضافة إلى انتماء المجموعة المنفذة إلى قبيلة المقارحة الموالية له، فإنّها جرت في منطقة يدّعي سيطرته الكلية عليها، وينعكس ذلك في الطريقة التي أُنهي بها قطع المياه.
وفي تشخيصه للأزمة بمجملها، عاد سلامة إلى بداية الأحداث، وقال: «كنا على أعتاب استضافة الملتقى الوطني في غدامس، وكانت هناك حماسة شعبية بشأن ما يمكن أن ينجم عنه من نتائج»، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ إن من تحمّسوا للحوار «حملوا السلاح ضدّ بعضهم لمهاجمة العاصمة، أو للدفاع عنها». وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الرجل عن «مهاجمة العاصمة»، ويتخلى فيها عن الحياد البارد. لكن الأهم، هو ما سيحدث، إذ يرى سلامة أن «48 يوماً من الهجوم... خلّفت الكثير من الموت والدمار»، وبلغت كلفتها البشرية نحو 500 قتيل وأكثر من 2400 جريح، إضافة إلى أكثر من 75 ألف نازح، وجعلت البلاد «قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق في حرب أهليّة». ولم يكن سلامة متحفظاً في استنتاجاته كعادته، بل حاول تضخيم النتائج لإحداث صدمة إيجابية حين قال إن «العنف على مشارف طرابلس ليس إلا مجرد بداية لحرب طويلة... ذلك يعرّض أمن جيران ليبيا المباشرين ومنطقة البحر المتوسط للخطر».