وصلت، يوم السبت الماضي، حوالى 40 عربة مدرعة لقوات حكومة الوفاق، إضافة إلى مئات الرشاشات والصواريخ المضادة للدروع وصناديق الذخائر، ضمن شحنة دعم تركية أولى. وفي حين نددت قوات حفتر والبرلمان الموالي له بالخرق التركي لقرار حظر التسليح، وصلت، على نحو مفارق، شحنة مدرعات جديدة إلى شرق البلاد. وأظهرت صور عدداً غير محدد من مدرعات «المارد» الأردنية الصنع، محمولة على عربات نقل عسكرية. وقد أشار خبراء عسكريون إلى أنها ترصد لأول مرة في ليبيا. مع ذلك، ليست هذه الشحنة الأولى التي تصل إلى قوات حفتر، إذ تلقّت في الأعوام الأخيرة عشرات العربات المدرعة من أحجام مختلفة، جميعها من تصنيع «شركة النمر» الإماراتية، بالإضافة إلى طائرات من دون طيار صينية الصنع من طراز «وينغ لوونغ»، وذخائر تحمل علامات الإنتاج الحربي المصري. ويعكس إمداد المتصارعين الليبيين بالأسلحة من قِبَل المحورين الإقليميين المتنافسين، عجز المؤسسات الدولية عن تطبيق قرارها حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، على رغم تعدد توثيق الخروقات ضمن تقارير اللجنة المكلفة بمراقبة تطبيق القرار. ويهدد استمرار هذا العجز بتوريد المزيد من الأسلحة الفتاكة، وإطالة عمر الصراع في البلاد، مع ما يرافقه من قتل للمدنيين، وتدمير للبنى التحتية، كان آخر تجلياته مساء أول من أمس، حين اقتحمت مجموعة مسلحة محطة الشويرف للمياه جنوب غرب ليبيا، بعدما أجبرت العمال على «غلق جميع صمامات التحكم في التدفق وإيقاف تشغيل آبار الحقول»، بحسب بيان «جهاز النهر الصناعي»، ما ترتب عليه «انقطاع المياه عن مدينة طرابلس وبعض مدن المنطقة الغربية والوسطى»، علماً بأن المياه تتدفق من موائد تحتية تقع في أقاصي جنوب ليبيا للتفرق على مختلف نواحي البلاد.
وعلى الفور، اتهمت وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق قوات المشير خليفة حفتر بالمسؤولية، وهو ما نفته «غرفة عمليات الكرامة»، التابعة للأخير. لكن «الوفاق» عادت وأوضحت اتهاماتها في بيانين، أعلنت في أوّلهما أن المنفذين هم «مجموعة مسلحة تأتمر بأوامر المدعو خليفة احنيش»، الذي يحاول «الضغط على حكومة الوفاق للإفراج عن أخ له يدعى المبروك احنيش، وهو موقوف على ذمة قضية جنائية بتهمة الانتماء إلى جماعة محظورة». وأضافت أن هذه «ليست المحاولة الأولى من المجموعة نفسها»، حيث قامت سابقاً «بخطف عدد من الأشخاص من حاملي الجنسية الكورية الجنوبية والفيليبينية، وحاولت المقايضة بهم»، وقد تم «إخلاء سبيلهم منذ يومين بوساطة خارجية، وبالتنسيق مع مجرم الحرب خليفة حفتر». وفي البيان الثاني، نسبت وزارة الداخلية تبعية المجموعة إلى قوات حفتر، ودعت «سفارات الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وفريق العقوبات التابع للمجلس، إلى توثيق هذه الجريمة، باعتبارها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان».
أظهرت صورٌ عدداً غير محدد من مدرعات «المارد» الأردنية الصنع في أيدي قوات حفتر


وفي التفاصيل، يبدو أن عملية قطع المياه مرتبطة بحفتر رغم تبرّؤه منها؛ إذ كان المبروك احنيش قد أطلّ في شريط فيديو انتشر قبل عامين تقريباً، يظهر فيه وهو بجانب رتل سيارات عسكرية في إحدى مناطق جنوب ليبيا، وكانت السيارات ترفع العلم الأخضر. وأعلن حنيش في حينها ولاءه للرئيس المخلوع معمر القذافي وابنه سيف الإسلام، الذي قال إنه رهن إشارته. وتلى ذلك شريط آخر، ظهرت فيه سيارات تضع علامة تقول «لواء الشعب المعزز 219»، وهو اسم أحد التشكيلات العسكرية في زمن القذافي. بعد ذلك، توجه احنيش مع مجموعته شمالاً، باتجاه مدينة بني الوليد، ثم غرباً نحو جنوب طرابلس، وكان يسعى للالتحاق بمجموعات أخرى موالية للقذافي في منطقة ورشفانة لإطلاق هجوم على طرابلس والسيطرة عليها. لكن المحاولة فشلت، إذ شنت قوات تتبع حكومة الوفاق هجوماً استباقياً، وقع إثره حنيش في أيدي «قوة الردع الخاصة» التي وضعته في سجن معيتيقة في طرابلس.
وينحدر الأخوان حنيش من قبيلة المقارحة المنتشرة في جنوب ليبيا، خاصة منطقة براك قرب مدينة سبها، وهي كانت من أهم القبائل داخل أجهزة الدولة في زمن القذافي، ومن بين رموزها الأمنيين رئيس المخابرات عبد الله السنوسي (مسجون)، والمشرف على أمن القذافي خليفة احنيش (قتل)، والضابط في جهاز الأمن الخارجي محمد بن نائل (صار يعمل مع حفتر بعد إطلاق سراحه من سجن في مدينة مصراتة عقب صفقة تبادل أسرى بين المدينة وقبيلته). وترتبط القبيلة الآن بالمشير حفتر، حيث يشغل عدد من أبنائها مناصب في قواته. ووفق بيان وزارة داخلية «الوفاق»، فقد دفع حفتر إلى إطلاق سراح رهائن أجانب اختطفهم خليفة ضمن مساعيه لتحرير شقيقه المبروك، وقد وصل المخطوفون قبل أيام إلى أبو ظبي ثم إلى بلدانهم، ضمن عملية دعائية للإمارة. ويشير ما سبق إلى طبيعة قوات حفتر التي يحاول تصويرها كجيش نظامي، في حين تتسبب له خلفياتها القبلية أو السلفية المدخلية بإحراجات متكررة.