الجزائر | في يوم واحد، اعتقلت الأجهزة الأمنية السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق ومستشاره الذي كان يوصف برأس القوى غير الدستورية، واللواء بشير طرطاق منسق الأجهزة الأمنية التابعة للرئاسة، واللواء محمد مدين مدير المخابرات السابق، بشكل بدا مُخطَّطاً له قبل خطاب رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح المنتظَر في وهران (400 كلم غربي العاصمة)، في ظلّ الدعوات الملحة التي كان يرفعها الجزائريون لمحاسبة رموز النظام السابق في أيام التظاهر. وعرض التلفزيون العمومي، أمس، صوراً للمسؤولين السابقين الثلاثة وهم يدخلون مقرّ المحكمة العسكرية في البليدة (40 كلم غربي العاصمة) برفقة ضباط أمنيين، من دون أن يكونوا مقيّدي اليدين. وفور عرض هذه الصور، أصدر النائب العام العسكري بياناً طويلاً كشف فيه عن إيداع المسؤولين الثلاثة الحبس المؤقت، بعد توجيه تهم خطيرة لهم تتضمن «المساس بسلطة الجيش» و«التآمر ضد سلطة الدولة». وتصل عقوبة هذه التهم، وفق قانون القضاء العسكري وقانون العقوبات المدني، إلى حدّ الإعدام. وتشير المادة القانونية التي تم توجيه التهمة على أساسها إلى تطبيق عقوبة الإعدام ضد كل شخص يقوم باعتداء يكون الغرض منه إما القضاء على نظام الحكم أو تغييره، وإما تحريض المواطنين أو السكان على حمل السلاح ضد سلطة الدولة أو ضد بعضهم البعض، وإما المساس بوحدة التراب الوطني.
وسبقت توجيهَ هذه التهم إلى المسؤولين الثلاثة تصريحات لافتة لوزير الدفاع السابق اللواء خالد نزار، الذي قال إن السعيد بوتفليقة كشف له في شهر آذار/ مارس عن نيّته إعلان «حالة الحصار أو الطوارئ، وعزمه تنحية رئيس الأركان الحالي أحمد قايد صالح»، ما يمكن تكييفه قانونياً على أنه مساس بسلطة الجيش. كما أن الرئيس السابق، إليامين زروال، كان قد نشر بياناً في 2 نيسان/ أبريل الماضي، كشف فيه أن الفريق توفيق نقل له عرضاً من السعيد بوتفليقة بتولي رئاسة البلاد لفترة انتقالية، وذلك في سياق مواجهة محيط الرئاسة دعوات الفريق قايد صالح إلى تطبيق المادة الدستورية التي تؤدي إلى عزل الرئيس، وهي معطيات اعتبرها القضاء العسكري على ما يبدو كافية لتوجيه التهم إليهم.
يتخوف البعض من أن تكون الاعتقالات مقدمة لبسط أحمد قايد صالح سلطته


وجاء اعتقال هؤلاء الثلاثة بعدما تصاعدت الشكوك في الشارع إزاء التفاوت بين خطاب رئيس الأركان ذي النبرة الاتهامية الخطيرة بحق المسؤولين السابقين، وبين عدم تحرك الجهات المختصة لتوقيفهم ومحاسبتهم بناءً على ذلك. إذ ثمة من رأى أن الفريق قايد صالح يستعمل هذه الورقة كفزاعة فقط من خلال خطاباته التهويلية، فيما تحدث آخرون عن ضمانات أُعطيت قبل استقالة بوتفليقة بعدم المساس بعائلته، ما يجعل السعيد بوتفليقة بمنأى عن أي محاسبة. أما القسم الثالث فاستسلم لفكرة استمرار ما يسمى بـ«الدولة العميقة» التي تعني تمتع هؤلاء المسؤولين بشبكات داخل الدولة تُحصّنهم من الملاحقة، وتعطيهم قدرة على المقاومة.
لكن قرار الاعتقال أمس أظهر أن الثلاثة فقدوا كل سلطة وأي امتداد داخل الدولة، بما جعلهم غير قادرين حتى على حماية أنفسهم. فالسعيد بوتفليقة، بمجرد سقوط شقيقه من المنصب، أصبح معزولاً تماماً وغير قادر على الحركة، بل إن أكثر المتزلفين له في السنوات الماضية لم يتورعوا عن مهاجمته وتحميله مسؤولية كوارث السنوات السابقة. أما الفريق محمد مدين فتحول منذ خروجه من المنصب في أيلول/ سبتمبر 2015 إلى رجل منبوذ، غير قادر حتى على حماية أقرب مقربيه، وأضحى مادة سخرية في وسائل إعلام كانت ترتعد من مجرد ذكر اسمه. وحتى التحالف الطارئ الذي كان بين السعيد بوتفليقة والفريق توفيق في آخر أيام بوتفليقة، على قاعدة تقديم الرئيس السابق إليامين زروال إلى الواجهة والاستثمار في رصيده، لم يكن سوى رقصة ديك أخيرة في مواجهة إصرار رئيس الأركان على تطبيق المادة 102.
لكن هذا الواقع لم يُلغِ احتفاظ هؤلاء المسؤولين بهوامش مناورة خارج أجهزة الدولة، بإمكانها القيام بعمليات انتقامية ضد قيادة الجيش التي حيّدتهم من المشهد. لذلك، فإن بقاءهم طلقاء كان يُشكل عبئاً معنوياً كبيراً على قيادة الجيش، التي خشيت من جانب آخر من انقلاب الرأي العام عليها، في ظلّ عدم اتخاذ خطوات عملية لمحاسبة الرؤوس الكبيرة، والمماطلة في الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي. ويقول المحلل السياسي، حسني عبيدي، في هذا الصدد، إن «هذه الاعتقالات تشكل أهم حدث منذ بدء الحراك الشعبي في 22 شباط/ فبراير»، معتبراً إياها، في تصريح إلى «الأخبار»، دليلاً على أن «قيادة الأركان استعادت السلطة الحقيقية من الأقطاب الثلاثة ومن القوى غير الدستورية». ويرى أن «هذه الخطوة لم تكن لتتحقق لولا انقلاب موازين القوى نتيجة لقوة التظاهرات الشعبية وارتفاع سقف مطالبها». 
وينقسم الرأي العام الجزائري إزاء القرارات الأخيرة، بين من يرى أنها ستستتبع بتغيير في خريطة الحل السياسية التي تتبناها قيادة الجيش، من خلال التخلي عن التمسك بالتطبيق الحرفي للدستور، والانتقال إلى حوار يفضي إلى حل سياسي شامل للأزمة، بعد الاطمئنان إلى أن رموز النظام السابق سيكونون معزولين وغير قادرين على العودة إلى المشهد عبر واجهاتهم السياسية، وبين من يطرح مخاوف من أن تكون هذه الخطوات مقدمة لبسط قائد أركان الجيش سلطته بعد تخلصه من خصومه في النظام.