الجزائر | كما كان متوقعاً، لم يستقطب اللقاء التشاوري الذي دعا إليه الرئيس المؤقت، عبد القادر بن صالح، إلا عدداً قليلاً من الحضور، في مشهد بدت فيه السلطة كأنها تُحاور نفسها، بعيداً عمّا يجري في الشارع. واللافت أن أحزاب الأغلبية البرلمانية التي تزكّي، في العادة، كل ما يصدر عن الرئاسة، قاطع نصفها هذه المشاورات، فلم يحضر رئيس حزب «تاج» عمّار غول، وكذلك رئيس حزب «الحركة الشعبية الجزائرية» عمّار بن يونس. أما النصف الآخر، ممثّلاً بحزبي «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديموقراطي»، فسُجّل حضورهما باحتشام، عبر قياديين من الصف الثاني. ولم يحضر من المعارضة أي حزب سياسي أو شخصية وطنية، في حين اكتفت الرئاسة بتزيين المقاعد ببعض الشخصيات التي لا تحظى بثقل كبير، على غرار المحامي والحقوقي ميلود براهيمي، ورئيسَي البرلمان السابقين عبد العزيز زياري، والعربي ولد خليفة.ولتجنّب هذا المشهد المهين، قرّر رئيس الدولة المؤقت، في آخر لحظة، تكليف الأمين العام للرئاسة حبة العقبي بإدارة اللقاء، ما دفع بعض الإعلاميين والسياسيين إلى التعليق، بشكل ساخر، بأن بن صالح قاطع هو الآخر مشاوراته. وما زاد في إظهار حالة الارتباك التي تواجهها الرئاسة، تصريح هذا المسؤول، في بداية اللقاء، بأن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها يوم الرابع من تموز/ يوليو، لأن الأمر يرتبط بآجال دستورية لا يمكن تجاوزها، ثم التلميح في نهاية اللقاء إلى إمكانية تأجيلها، ليلي ذلك تأكيد جديد في البيان الختامي أن الانتخابات ستكون في وقتها، بعد إنشاء هيئة مستقلة للإشراف عليها، وتعديل النصوص القانونية الناظمة للعملية الانتخابية.
ينتظر الجزائريون ما سيتحدث به رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح


ويُتوقّع في الأوساط السياسية القريبة من السلطة أن يتخذ الرئيس المؤقت قراره بالاستقالة من منصبه، في ظلّ فشل مشاورات الرئاسة الحالية، وبعدما فرض عليه الحراك الشعبي عزلة قاتلة، جعلت كل من يقترب منه أو يحاوره في عداد «الخائنين» للشعب، وهو ما دفع كل مكونات الساحة السياسية تقريباً إلى مقاطعته، تماهياً مع هذا الرفض الشعبي. وما يفاقم مأزق صالح، رفض رؤساء البلديات الانخراط في مسار الانتخابات الرئاسية في الوقت المحدّد لها ومراجعة القوائم، وكذلك تهديد القضاة بعدم الإشراف على الانتخابات، وعزوف غالبية الشخصيات والأحزاب عن دخولها، إذ لم تُسجِّل وزارة الداخلية في قائمة المرشحين سوى أسماء مغمورة. وحتى اللواء علي غديري، الذي كان في السابق قد أعلن مشاركته في هذه الانتخابات، يبدو أنه تراجع تحت الضغط الشعبي. وتشير مصادر من الأغلبية البرلمانية، إلى أن بقاء بن صالح رئيساً للدولة بات في حكم المستحيل، حتى بالنسبة إلى حزبه «التجمع الوطني الديموقراطي»، الذي يرى أن بقاءه في هذا المنصب هو مسألة أيام معدودة، الأمر الذي يعكسه غياب الرجل الأول في هذا الحزب، أحمد أويحيى، عن مشاورات أمس.
وينتظر الجزائريون، مرة أخرى، في ظلّ هذا الواقع، ما سيتحدث به رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي سيصدر بياناً اليوم أو غداً على أقصى تقدير، بحسب ما ذكرته وزارة الدفاع، من المتوقع أن يتناول فيه حالة الانسداد السياسي الحالية. ويُدرك المتظاهرون في الشارع أن السلطة الفعلية موجودة بيد رئيس أركان الجيش، الذي أصبحت بياناته المحرّك الأول للمشهد السياسي، في ظل عدم اعتراف الأغلبية بسلطة الرئيس المؤقت. وفي السياق، يتحدث العديد من الأنباء عن إمكانية قبول الجيش، أخيراً، بحلّ سياسي يخرج عن إطار ما تحدّده المادة 102 من الدستور، والتي تنظم حالات شغور السلطة في الأوقات العادية. ويُمكن تحت ضغط الشارع، اللجوء إلى خيار إنشاء مجلس رئاسي يضمّ شخصيات تحظى بثقة الشارع لتسيير المرحلة الانتقالية، مع تأليف حكومة كفاءات وطنية لتصريف الأعمال، وهو الخيار الذي يدفع إلى تطبيقه بقوة بعض أحزاب المعارضة منذ بداية الحراك الشعبي. وتواجه قيادة الجيش حالياً ضغطاً كبيراً، بعد فشل الحل الدستوري الذي جاء بعبد القادر بن صالح رئيساً للدولة في تلبية مطالب الحراك. ومع صمت رئيس الأركان عن إبداء موقفه من تنظيم الرئاسيات، في موعدها، أصبحت الشكوك تتسرب في شأن حقيقة ما إذا كانت قيادة الجيش تدعم ضمنياً بن صالح، وهو ما بات يتطلّب توضيحاً عاجلاً، وفق كثير من المتابعين، حتى لا تفقد قيادة الجيش ثقة المتظاهرين.