ليل الثلاثاء ـــ الأربعاء، شهد حيّ أبو سليم، ذو الكثافة السكانية العالية، وبعض المناطق المجاورة له، في العاصمة الليبية طرابلس، قصفاً عنيفاً بصواريخ «غراد». قصف لم يكن موجّهاً إلى أهداف معيّنة، فقد سقطت الصواريخ على سيارات رابضة في الشارع، ودمرت بعضها، وعلى منازل المدنيّين. إضافة إلى الجرحى الذين بلغ عددهم العشرات، قُتل ثلاثة من عائلة واحدة، هم جدّة وابنة وحفيدة. يضاف هؤلاء الضحايا إلى قائمة تتوسّع باستمرار، إذ أعلن فرع «منظمة الصحة العالمية» في ليبيا أمس، أنّ عدد القتلى بلغ 189 والجرحى 816، وفوقهم 18 ألف نازح من مناطقهم. وفيما تنتمي غالبية هؤلاء إلى قوات عسكريّة، يكتسب هجوم أمس خطورته من استهدافه العشوائي للمدنيين، ما يعني أنّ غايته ليست إحداث ضرر في القوات العسكرية، بل تخويف السكان، إما لاستمالة ولائهم وإما لدفعهم إلى الخروج من منازلهم لإخلاء المنطقة أمام العمليات العسكرية.لا تزال الجهة المسؤولة عن القصف غير معلومة. فمن ناحية، أجرى رئيس حكومة «الوفاق الوطني»، فائز السراج، جولة تفقدية في الأحياء المستهدفة، قال خلالها إنّ الأمر «هجمة بربرية وحشية قام بها المجرم (المشير خليفة) حفتر»، مضيفاً أنّ المستندات كافة التي تثبت تورّطه ستحال على محكمة الجنايات الدولية، معلناً في الوقت نفسه الحداد ثلاثة أيام. وفي تصعيد للموقف، قالت «الوفاق» إنّها طلبت عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية لبحث «العدوان الذي تتعرض له العاصمة طرابلس والانتهاكات المرتكبة من قوات حفتر، وإصدار قرار بتجريم الاعتداء على المدنيين ووقف الحرب التي تتعرّض لها طرابلس، وعودة القوات المعتدية إلى مواقعها قبل شنّ هذا الهجوم الغادر».
في المقابل، نسبت قوات حفتر المسؤولية عن الهجوم إلى مجموعات مسلّحة تتبع «الوفاق»، وهو اتهام ردّدته في الأيام الماضية أيضاً عند سقوط بعض القذائف على أحياء مدنية، وقالت إنّ الهدف من ذلك ترويع المدنيين لاستمالة دعمهم إليها. وفي موازاة ذلك، أصدر المبعوث الأممي الخاصّ، غسان سلامة، بياناً أدان فيه الهجوم الصاروخي على الأحياء المدنية، وقال إنّ «استخدام الأسلحة العشوائية والمتفجرة في المناطق المدنية يشكّل جريمة حرب». وختم بيانه بالتشديد على أنّ «المسؤولية عن مثل هذه الأعمال لا تقع على عاتق الأفراد مرتكبي هذه الاعتداءات العشوائية فحسب، بل يمكن أن يتحملها أيضاً كل من يصدر الأوامر لهم».
تنذر زيارة السيسي لـ«محمد نجيب» بتسخير القاعدة مجدداً للطائرات المهاجم


على هامش القصف، وفيما توقّع قائد «غرفة عمليات أجدابيا» التابعة لقوات حفتر، اللواء فوزي المنصوري، أن تتم السيطرة على طرابلس قبل رمضان، توعّد الرئيس السابق لـ«المجلس الأعلى للدولة» المتمركز في طرابلس، عبد الرحمن السويحلي، قوات حفتر، قائلاً في تغريدة على «تويتر»: «سيدفع المجرم الأسير (حفتر) ومن ورائه فرنسا وأبو ظبي ثمن كل قطرة دم بريئة سالت من سكان طرابلس... لن أدخر جهداً أو يهنأ لي بال حتى تُتوج جهود الشرفاء بإسقاط هذا المستبد المجنون».
إقليمياً ودولياً لا تزال المواقف من الهجوم على العاصمة على حالها، مع بعض الإشارات التي قد تشهد تطوراً في المستقبل القريب. أهمّ المستجدات إجراء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، زيارة لـ«قاعدة محمد نجيب العسكرية» غرب مصر. وفيما قالت وسائل الإعلام الرسمية إنّ الزيارة جاءت لـ«تفقد إجراءات التفتيش ورفع الكفاءة القتالية» بعد تطوير القاعدة، من الجدير التذكير بأنّ الطائرات المصرية والإماراتية الداعمة لحفتر تنطلق من هذه القاعدة، ما قد يُنذر بتسخيرها مجدداً في هذا الاتجاه.
إلى جانب ذلك، قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، على هامش حضوره «منتدى التعاون العربي الروسي» في موسكو أمس، إنّه يوجد «إجماع على دعم جهود البعثة الأممية»، دون أن يتطرق إلى تفاصيل التطورات أو إدانة الهجوم على طرابلس. والاختباء وراء دعم الأمم المتحدة وحثّ جميع الأطراف على وقف القتل، موقف تلتزمه جميع الدول الداعمة لحفتر أو التي تتجنّب إدانته، ومن بينها فرنسا التي عرقلت أمس، إلى جانب روسيا، مبادرة بريطانية جديدة في مجلس الأمن لإصدار بيان يندّد بهجوم قوات حفتر.
أما إيطاليا، فعلى عكس التحفّظ الذي يكتسي تصريحات وزير خارجيّتها ومواقفه، تحدث وزير داخليتها ونائب رئيس الوزراء، ماتيو سالفيني، بوضوح أمس عن موقفه مما يحدث في طرابلس. وقال سالفيني في تصريحات إنّ بلاده تعمل من أجل «السلام والحوار ووقف إطلاق النار وتجنب إطلاق الصواريخ وغيرها من أسلحة الحرب التي لا تحل المشكلات. نعمل على ذلك ليلاً ونهاراً، ليس مع جميع الحلفاء الغربيين فقط، بل مع غيرهم». لم يتوقّف الرجل القوي في الحكومة الإيطالية عند ذلك الحدّ، بل قال إنّه واثق من أنّه «سيسود الحسّ السليم، ومبادرات الجنرال خليفة حفتر العسكرية، الذي حاول شنّ هجوم خاطف (على طرابلس)، في طريقها إلى النهاية».