السعودية باركت هجوم طرابلس وسلطاتها الدينية عَمّدتْه الإمارات وفرنسا تدعمان حفتر عسكرياً وسياسياً
بعثة غسان سلامة هي الأسوأ من بين 6 بعثات أممية

تتطور الأوضاع سريعاً في ليبيا. وصل عدد القتلى إلى 56، وعدد النازحين إلى 6 آلاف، فيما تتبادل سلطتا الشرق والغرب إصدار مذكرات اعتقال بحق المسؤولين من الجهتين. أزمة إنسانية وسياسية تتصاعد مع استمرار الهجوم على العاصمة الليبية، بتغطية دولية (وإعلامية) لخليفة حفتر، تتضح معالمها يوماً بعد آخر. ولاستطلاع ملابسات الأزمة التي انطلقت منذ عام 2014، تحاور «الأخبار» الباحث الليبي، بشير الزواوي، حول أسباب هجوم حفتر وفرص نجاحه، والمطبّات التي تعيق طريقه، وهوية الداعمين الدوليين لتحركه، وجهود الأمم المتحدة للحل.

صار معروفا الآن أن خليفة حفتر كان يبحث عن صفقة تضعه على رأس جيش موحد قبل إطلاقه الهجوم على طرابلس، ومن الواضح أنه لم يصل إلى مبتغاه خلال اجتماعه مع رئيس حكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، في أبو ظبي، نهاية الشهر الماضي. هل يأتي الهجوم في إطار الضغط من أجل تحقيق مطلبه هذا، أم أن له مشروعاً أوسع من ذلك برأيك؟
تحرك حفتر في طرابلس مبرمج ومجدول منذ زمن بعيد، والأحداث الأخيرة تثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أنه كان يهيّئ لهذا اليوم جيداً منذ فترة طويلة. فقد استطاع أن ينقل أجزاء كبيرة من قواته ومن عملياته إلى المنطقة الغربية، واختار غريان (إحدى المدن التي تقع في الجزء الشمالي الغربي للبلاد) لأهميتها الاستراتيجية، لتكون بوابة العبور إلى طرابلس. وفي غفلة من جميع القوى في المنطقة الغربية، وجد حفتر أن غريان خالية وجاهزة لكي تكون قاعدة خلفية للهجوم. حفتر لم يكن مؤمناً يوماً بأي عمل سلمي أو سياسي يؤدي إلى حل دائم ومستقر في ليبيا، فقد قام في (شباط) فبراير عام 2014، بعد الثورة، بمحاولة الانقلاب على المؤتمر الوطني العام، ومنذ ذلك الحين إلى الآن، ورغم جهود الأمم المتحدة، والعديد من الأطراف الإقليمية والدولية، لم يتوقف عن محاولات إفشال كل المباحثات، وكل الاتفاقات التي وُقّعت ولم تُنفذ. لقاؤه بفائز السراج نهاية الشهر الماضي لم يكن الأول من نوعه، فقد التقى الطرفان في بداية فترة السراج، والذي خصّه بأول زيارة للمنطقة الشرقية، كما التقيا في باريس وفي روما أيضاً، ولم يحدث أي اتفاق يمكن البناء عليه. لقاء أبو ظبي يأتي ضمن سلسلة المحاولات المتكررة التي قامت بها الإمارات لاختراق عملية السلام والمباحثات بين الليبيين، من أجل تمكين اتفاق بين حفتر والسراج، واستبعاد كل الأطراف الأخرى من على طاولة المفاوضات، وأيضاً من الحل النهائي الذي يحاولون الوصول إليه.
في اعتقادي، المحاولة الإماراتية تحظى بتأييد من قِبَل بعض الدول الغربية، التي اعتقدت بأن المعارضة لدور حفتر في أضعف حالاتها، وأن الكل منقسم على الكل في غرب ليبيا، وبالتالي، سيتمكن الطرفان من عقد اتفاق بينهما، بعيداً عن الجميع. لم يستطع السراج كما يبدو أن يعطي حفتر الضمانات الكافية في اتفاق مكتوب، وهو فعلياً لا يستطيع، فهو ليس الطرف الوحيد في الحل في غرب ليبيا، كما عبّر هو نفسه عن ذلك، وأيضاً حفتر يستغل ضعف السراج، فهو دائماً ما يصفه بأنه تحت سيطرة مجموعات مسلحة، ولا يستطيع أن يقدم شيئاً، وما نراه من الوصول إلى نقطة الصدام في العاصمة ليس وليد اليوم، إنما كان دائماً على رأس أولويات حفتر، فهو لا يؤمن بأي حل لا يُمَكّنه من أن يكون السلطة العليا في البلاد. طريقه إلى حكم البلاد عبر السبل الديموقراطية يُعتبر مسدوداً بسبب موانع قانونية لكونه عسكرياً، وغيرها من التعقيدات الدستورية. لذلك، هو مُصرّ على صيغة أنا ولا أحد غيري، لأنه لا يثق في أحد ليعمل تحت إمرته كعسكري تحت سلطة مدنية.
حفتر مُصرّ على صيغة أنا ولا أحد غيري وهو يستغلّ ضعف السراج


تقول مصادر دبلوماسية إن داعمي حفتر الخارجيين، وخصوصاً الرباعي المشكل من مصر والإمارات وفرنسا والسعودية، فوجئوا بالهجوم، ولم يكن لهم علم به. برأيك، هل توجد إشارات على هذا التفاجؤ، أم أن الهجوم جاء بتنسيق ما مع الحلفاء؟ وإلى أي درجة يمكن أن يصل حلفاء حفتر في دعم حربه؟
هذا غير حقيقي، لا يمكن القول إن الحلفاء المذكورين لا يعلمون بهجوم حفتر على طرابلس. حفتر زار السعودية، والتقى الملك وابنه (ولي العهد محمد بن سلمان)، كما التقى مسؤولي الاستخبارات والدفاع. هناك في السعودية، تمت المباركة لشنّ هذا الهجوم، وتم تعميده بواسطة السلطة الدينية التي تُوظف كغطاء شرعي يبرر الحرب، ويضع حفتر كوليّ أمر. بالتالي، اكتملت الأركان الأساسية من الناحية الدينية، والتي هي في غاية الأهمية لإقناع العديد من عناصر التيار السلفي بمواصلة القتال، واستقطاب آخرين أيضاً، سواء كانوا في شرق البلاد أو غربها. أما الإمارات، فهي أيضاً بلا شك على علم بما سيجري، نظراً الى حجم الدعم الذي توفره لحفتر علي كل الصعد العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية. فرنسا أيضاً، رغم إنكارها لذلك، إلا أن إصرارها على دعمه سياسياً وعسكرياً واضحٌ جداً، فقد كشف الإيطاليون عن وجود قاعدة خاصة للقوات الفرنسية تم إنشاؤها في غريان لمساعدة حفتر. توفر فرنسا أيضاً غطاء دبلوماسياً لمنع تعرض حفتر للإدانة من قِبَل المجتمع الدولي على مستوى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي أفشلت محاولات استصدار قرار من مجلس الأمن، وقامت أول من أمس بالضغط، ومنعت صدور نص من الاتحاد الأوروبي يدين تحركات حفتر، وعرقلَتَه لعملية السلام التي يقودها (المبعوث الأممي) غسان سلامة، وكذلك خطر ما يقوم به حفتر على كل محاولات مكافحة الإرهاب في المنطقة. مصر لم تعلق بأنها فوجئت، وهي تدعم حفتر، فهي الراعي الإقليمي الأقرب له سياسياً وعسكرياً ولوجستياً، وهذا يضع شكوكاً كبيرة حول ادعاء عدم المعرفة الذي ليس سوى محاولات دبلوماسية للتغطية. وقد أشارت «مجموعة الأزمات الدولية» إلى أخبار حول الدعم الذي قدمته مصر وتقدمه، بما فيها صواريخ أرض ــــ جو.

أعاد الهجوم على طرابلس إحياء وجوه في غرب البلاد جرى تهميشها تدريجياً منذ توقيع اتفاق الصخيرات قبل حوالى ثلاثة أعوام، وأعلن هؤلاء (ربما أبرزهم صلاح بادي، لكنه ليس الوحيد) دعمهم لحكومة الوفاق في الدفاع عن العاصمة. إلى أي درجة يمكن أن تذهب هذه القوى في دعم «الوفاق»، وهل يمكن أن تُحيي مشاريعها السابقة القائمة على دفع الصدام مع حفتر إلى أقصاه (بما في ذلك دعم إبراهيم الجضران وسرايا الدفاع عن بنغازي)؟
من الصعب الحكم الآن على ذلك. لكن ما طفا على السطح، منذ اعتداء حفتر على طرابلس، يثبت بما لا يترك مجالاً للشك أن الادعاءات أو البروباغندا التي يسوقها حفتر حول وجود انقسامات خطيرة في صفوف أعدائه هي في الحقيقة قشرية. فعلى الرغم من وجود خلافات، إلا أنها لم تمنع القوى المختلفة والمحسوبة على تيارات متعارضة أيديولوجياً من أن تتوحد ضده. لا أظن أن من الممكن أن تدعم الأطراف التي تكلَّمْتَ عنها حكومة السراج، فالخلاف بينها وبينه عميق جداً، وليس قابلاً للرأب، بينما السراج نفسه لا يستطيع المغامرة بذلك، لأنه يعرف جيداً أن هناك جهات دولية ستنفر وتتباعد عنه في حال كان هؤلاء بارزين بشكل حاد. كما لا ننسى بأن هذه الأطراف هي نفسها أصلاً ليست طرفاً واحداً، وبينها ما يكفي من الاختلافات لتمييزها عن بعضها البعض، وما يوحدها الآن (عسكرياً) هو محاولات حفتر إطاحة الجميع بالضربة القاضية.

يُحاول حفتر اللعب على الخلافات الداخلية في المنطقة والاستفادة منها، فهو يسعى الى استمالة ما يطلق عليه «التيار الوطني» في مدينة مصراتة، ويحاول توحيد مدينة الزنتان حول دعمه، ويقول إنه مستعد للعفو عن المشاركين في مجموعات «قوة حماية طرابلس» من الذين تورطوا في تجاوزات مالية. هل يمكن أن تنجح هذه المحاولات في خلق صدع داخل هذه المدن؟
لا يُمكن أن تنجح، لأنهم لا يثقون في حفتر، ولم يثقوا فيه يوماً. هناك بعض الانتهازيين الموجودين دائماً هنا وهناك، وهم كُثر أحياناً، لكن عندما تحين ساعة الفصل، يختفي هؤلاء وتختفي أيضاً حتى منابرهم الإعلامية أو صفحاتهم الخاصة التي كانوا يروجون من خلالها لأفكارهم. التيار المعارض، العامل على منع حفتر من إطاحة حلم الدولة المدنية، يبدو كبيراً جداً، ومن الصعب الوقوف ضده. والأهم، أن البعض منهم، من الذين يؤيدون حفتر (كقائد للجيش)، قفز من السفينة وانضم إلى القتال ضده.

لم تصدر الأمم المتحدة بيان تنديدٍ بحفتر، رغم أنه المبادر بالهجوم على طرابلس، وهي تعلن أنها ملتزمة بالعمل على عقد الملتقى الوطني في أقرب وقت، رغم أن الاشتباكات تزداد شراسة. كيف تقيّم أداء البعثة الأممية على ضوء التطورات الأخيرة، وهل لا يزال برنامجها قابلاً للتنفيذ؟
على مدى 6 بعثات أممية في ليبيا، هذه البعثة هي أسوأ ما مرّ، فأداؤها كان أسوأ من المبعوثين السابقين كافة، وهي غير قادرة على منح العملية الزخم الكافي. والسبب، هو سماحها باختراق عملية السلام في كل مرة من قِبَل أطراف تدعم حفتر. ويمكن أن نستشفّ ذلك من لقاء أبو ظبي الأخير المفاجئ، حيث لم يكن معلناً، وإصرار سلامة على الغموض التام حول مخرجاته، وإصراره الغريب أيضاً على عدم إخراج معلومات عن مسودة اتفاق غدامس المزمع انعقاده، رغم تصريحاته الكثيرة بأنه لن يذهب إلى غدامس أو مؤتمر جامع إلا بوجود اتفاق مسبق بين الجميع، ليكون الاجتماع حفلاً فقط للإعلان عن الاتفاق. هناك أيضاً الكثير من الشواهد التي تؤكد وجود اختراقات في عملية السلام، حدثت في لقاءي باريس وباليرمو، ويمكن إحصاؤها وتعدادها، ما يؤكد أن البعثة ماضية في سلسلة من الأخطاء المتكررة، سمحت فيها بتجاوزات لمبادئها المعلنة في إيجاد حل ليبي ــــ ليبي يضمن نهاية الصراع، أو على الأقل يؤسّس على الأرض لشيء جديد، كمجلس تشريعي وحكومة أو غيرها.