شمل القلق أيضاً الولايات المتحدة وإيطاليا، اللتين كثفتا من التواصل مع حكومة «الوفاق» واستقبال وزرائها، في إشارة إلى تمسّكهما بها، ما يمثل ضوءاً أحمر لحفتر. لكن الأهم، هو ما تسرب عن خشية فرنسية أيضاً، رغم دعم باريس لعمليات الجنوب، نقلتها الأخيرة إلى الإمارات صاحبة التأثير على حفتر.
وفق ما يُتداول في الكواليس الليبية، تولّد من ذلك تنسيق بين فرنسا والإمارات ومصر لجمع الرجلين الأهم في البلاد، أي حفتر وفائز السراج. تم استدعاء المعنيين إلى أبو ظبي الثلاثاء الماضي، لكن رغم الضغط المسلّط عليه من حلفائه، التزم حفتر بتعنّته، فهو لن يرضى بأقل من الاعتراف به قائداً عاماً للجيش من طرف حكومة «الوفاق». لكن السراج، بدوره، لا يمكن أن يهب ما لا يملك، فإسباغ تلك الصفة التي يحملها هو نفسه على حفتر سيفقده مكانته في طرابلس، ويجعله بلا أوراق ولا حلفاء، وربما يصير رأسه مطلوباً في غرب البلاد.
وعلى عكس ما انتظر الجميع، لم يظهر الرجلان معاً في اجتماع الثلاثاء، بل ظهر السراج وإلى جانبه مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، الموجودة في طرابلس، والتي تحظى باعتراف دولي حصري لتسويق منتجات الطاقة. ورافق الصورة بيان أعلن فيه صنع الله موافقته على إعادة تشغيل حقل الشرارة، وهو مطلب رفعه حفتر بعد سيطرته على الحقل، ورفضه صنع الله.
ثبّت لقاء أبو ظبي تقدّم حفتر من دون أن يدفع مسار الحل قدماً
من جهتها، أصدرت بعثة الأمم المتحدة بياناً مقتضباً (تلاه توضيح من الناطق الرسمي باسم السراج، محمد السلاك، بالمعنى نفسه) أكد اتفاق الجانبين على نبذ الحلول العسكرية، والالتزام بالمسار السياسي، أي عقد استفتاء وانتخابات هذا العام. لكن ثمة ثغرات كثيرة تعتري هذا الإعلان. ففي الشكل، لم تصدر صور عن اللقاء مثلما جرت العادة في مؤتمرَي باريس وباليرمو ولقاء أبو ظبي الأول قبلهما عام 2017، وهو أمر مثير للشك في حدّ ذاته، والأرجح أنه تم بناءً على طلب حفتر. إضافة إلى ذلك، لم يتطرق اللقاء إلى مسألة من يقود الجيش، ولا إلى «الملتقى الجامع» الذي تنوي البعثة عقده في أقرب وقت، ويشمل فاعلين غير ممثلين من مختلف مناطق البلاد، وهو ما يُرجّح أنه جاء بطلب من حفتر أيضاً؛ حيث يخشى البرلمان الداعم له، المتمركز في شرق البلاد، من أن يسحب «الملتقى» الشرعية منه ويصير برلماناً موازياً.
وبعد موافقته على إعادة تشغيل حقل الشرارة، عاد صنع الله أمس ليؤكد أن إعادة تشغيل الحقل لن تتم قبل خروج القوات التي تسببت في إيقافه نهاية العام الماضي (تشير تسريبات إلى اعتقاده أن الإغلاق أمر دبره حفتر، حتى يصير حجة ليأتي بقواته ويعيد فتحه)، ما يعني أن اللقاء ما زال يراوح مكانه، وأن تصريحه في الإمارات لم يكن سوى خضوع كلامي لا أثر فعلياً له.
بات واضحاً أن لقاءات أبو ظبي فشلت في تحقيق أهدافها، فهي لم تأت بجديد يدفع مسار الحل السلمي قدماً، وثبّتت التقدم الذي يحرزه حفتر، ما قد يقود إلى جولة عنف جديدة، ستكون في حال وقوعها أكثر دموية من كل فصول الحرب الليبية السابقة، وستحرك السكين في جروح بدأتها القوى الإقليمية والدولية، وفشلت في مداواتها.